التاريخ والآثار

“المسلات المصريه في مصر والمسلات المسروقه “

كتبت / أميره الشامي

تعتبر المسلة علامة بارزة من علامات الحضارة المصرية. فإذا كان الهرم _على سبيل المثال _ يعتبر إنجازا هندسيا ومعماريا، فإن المسلة تعتبر هى الأخرى إبداعا متميزا عندما نتذكر أنها قطعة واحدة من حجر الجرانيت الوردى أو غيره ، وعندما نفكر في كيفية قطعها ونقلها وإقامتها ، حيث لا يزال بعضها قائما شامخا يواجه كل الظروف الطبيعية البشرية .

عرفت المسلة فى النصوص المصرية القديمة بإسم “تخن”، وفى النصوص اليونانية باسم (Obelisk)،وسماها الأوروبيون (Needle) ، وسماها العرب “مسلة”.

و”المسلة” هى الإبرة الكبيرة التى تستخدم فى حياكة القماش السميك (مثل قماش شراع المركب وغيره) وكلمة “مسلة”جاءت تعبيرا عن أن قمتها مدببة كالمسلة المصرية القديمة .

والمسلة هى عنصر معماري ذو أربعة أضلاع ، تنتهى بقمة هرمية تقوم على قاعدة مستقلة قد يسجل عليها نص ، وتزين بتماثيل القردة التى تهلل لأشعة الشمس .
وتنقش جوانب المسلة الأربعة بمناظر ونصوص متعلقة بالملك صاحبها ، وبالمعبود الذى كرست له المسلة .

ولقد أراد المصري أن يحقق بالمسلة مجموعة من الأهداف ، منها أنها عنصر معماري جمالي يقع على يمين ويسار مدخل المعبد، ويبدو سابحا فى الفضاء يربط بين السماء والأرض. ثم هى نصب تذكارى يخلد ذكرى صاحبه فى علاقته بالإله الذي كرست له المسلة.
غير أن المسلة إلى جانب ماذكرت أنفا دلالة دينية واضحة ، فهى أحد الرموز البدائية المقدسة. والتي ربما بدأ الناس فى التاريخ المبكر يقيمونها للمعبود رع في هليوبوليس على شكل عمود بسيط يربط بينهم وبين هذا المعبود .
ثم تطور هذا الشكل ليتخذ شكل الجسم ذى الأضلاع الأربعة، والذى ينتهى بقمة هرمية هى التى تعرف باسم “بن بن”

ويرى البعض أن المسلة ترمز لأشعة الشمس الهابطة من السماء ممثلة فى قمتها الهرمية ، فى حين رأى البعض الآخر أن القمة الهرمية للمسلة تلعب نفس الدور الذى يلعبه الهرم كمقبرة من حيث أنه التل الأزلي الذي بدأت عليه الخليقة.

وربط بعض الباحثين بين المسلة ،والمعبود آتوم، حيث اعتبروا “بن بن ” بمثابة بذرة آتوم الحجرية “المنى الحجرة” الذى نزل من آتوم في المحيط الأزلى فى هليوبوليس ، والتى ظهر على قمتها للمرة الأولى “آتوم” عندما خرج من “نون” فى هيئة طائر البنو ( الفونكس_ العنقاء) .

وربط آخرون بين المسلة وبين المعبود رع ، على اعتبار أن قرص الشمس ( أقدم رمز ل رع ) قد صور على قمة مسلة ، حيث ورد فى نصوص الأهرام : ( إنه ببى الذى ينتهى لمسلتى رع اللتين على الأرض).

أما عن تاريخ استخدام المسلات فى المعابد وغيرها ، فيبدو أنه قد بدأ مع بداية تبلور الفكر الدينى وبداية ظهور عقيدة الشمس ، وإذا كنا لم نعثر على مسلات قبل الأسرة الخامسة ، فإن هذا لا يعنى أنها لم تكن معروفة قبل هذا التاريخ ، وربما ضاعت بفعل عوامل الزمن.

وشهدت منطقة أبو صير بناء مجموعة من معابد الشمس التى كرسها ملوك الأسرة الخامسة لعبادة إله الشمس ، وكانت المسلة عنصرا رئيسيا فى هذه المعابد على إعتبار ما للمسلة من علاقة قوية بإله الشمس كما أشرنا من قبل . هذا وقد استخدمت المسلة كمخصص للأسماء التى أطلقت على هذه المعابد .

مادة المسلة

كانت المسلة تنحت من الحجر ، وخصوصا حجر الجرانيت ، وكان الجرانيت الوردى أكثر استخداما للمسلات من الجرانيت الأشهب ، وذلك من محاجر أسوان،وخصوصا المحجر الشرقى .

وقد نحتت بعض المسلات من أحجار الكوارتزيت والبازلت .وكانت مسلات الأفراد تنحت من الحجر الجيري والرملى .

وكانت قمم بعض المسلات تصفح برقائق من الذهب أو الإلكتروم ( خليط من الذهب والفضة) ، والنحاس والبرونز .

قطع المسلة

ورغم أهمية المسلة كعنصر معمارى ومركز دينى، إلا أن المصرى لم يسجل لنا كيف قطعها ، ولا كيف نقلها، ولا كيف أقامها ، لهذا تظل المسلة بكل ما تمثله لغزا من ألغاز الحضارة المصرية ، لغزا يمثل عنصر إبهار وإعجاز للحضارة المصرية القديمة .

نقل المسلة

ولكى نتصور عملية النقل نود أن نحدد المسار المتوقع ، فبعد انتزاع المسلة من جسم المحجر ، لابد من تمهيد مكان فى المحجر ، تجر المسلة عبره إلى مستوى الأرض، ثم تنقل من المحجر إلى شاطئ النيل ، ثم تنقل من شاطئ النهر إلى المعبد الذى ستقام فيه ، وهو ما يعنى أن جزءا من الرحله أرضى ، والأخر نهرى.

*نقل المسلة بالنهر
*‏لم يترك لنا المصرى مايساعدنا على فهم هذه المرحلة ، حتى أن المنظر الوحيد الذى يمثل نقل مسلتى حتشبسوت ( والمسجل على جدران معبد الدير البحرى ) لايفيد كثيرا .
إقامة المسلة
إذا كان من الممكن وضع تصور لبعض مراحل العمل فى المسلة ، فإن أصعب المراحل التى يصعب علينا فهمها هى مرحلة إقامة المسلة ، وكيف يمكن ذلك ولم يعرف المصرى رافعات “كالأوناش” فى العصر الحديث يمكن أن ترفع مثل هذه الكتلة الضخمة.
والواضح أن المصرى استخدم فكره وعقله أكثر من استخدامه لعضلاته عند تحريك الكتل الحجرية صغيرة كانت أم كبيرة ، وذلك من خلال أسلوب العتالة.
والظاهر أن المصرى القديم كان ملما بعلم الميكانيكا ، وبالتالي ملما بنظرية الميل ، وعلاقة الكتلة بالفضاء المحيط بها . وقد تعددت آراء المهندسين والمعماريين والأثريين حول كيفية إقامة المسلة .

إن الملفت للنظر أن عددا هائلا من المسلات المصرية قد استهوى الأجانب فى كل زمان ومكان . ولهذا لا عجب أن نرى اليونان والرومان ينقلون المسلات من مصر إلى بلادهم ، ولا عجب أن نعرف أن مدينة روما وحدها تضم ١٣ مسلة مصرية . أما بقية المسلات التى خرجت فتزدادن بها أشهر ميادين العالم ( فى فرنسا ، وإنجلترا ، وأمريكا، وتركيا ، وغيرهم ) ، بالإضافة إلى ماغرق منها فى مياه البحر أو المحيط أثناء محاولات نقلها من مصر .

وتحتفظ مصر بعدد قليل من المسلات ، بعضها لايزال فى موقعه الأصيل ( مثل مسلة رمسيس الثاني في معبد الأقصر ، ومسلة تحتمس الأول فى معبد الكرنك ، ومسلة حتشبسوت فى معبد الكرنك أيضا ، ومسلة سنوسرت الأول في عين شمس بالقاهرة ) . والبعض الآخر نقل من موقعه الأصلي إلى موقع آخر.

، مثل : ( مسلة أبجيج لسنوسرت الأول فى مدخل الفيوم ، ومسلة رمسيس الثاني فى مطار القاهرة الدولى ، والتى نقلت من صان الحجر أيضا ، ومسلة رمسيس الثاني في حديقة الأندلس بالقاهرة).

ولا يزال موقع صان الحجر يحتفظ بما يزيد عن عشر مسلات ملقاة على الأرض ومهشمة .

والجدير بالذكر أنه تم نقل مسلة الملك رمسيس الثانى من منطقة (صان الحجر) بمحافظة الشرقية فى منتصف عام 2018م،لتعرض بالمتحف المصرى الكبير بالقرب من تمثال الملك رمسيس الثانى.
والتى تعود فكرتها إلى إنشاء ميدان لمسلة معلقة أمام المُتحف يتيح للزائر لأول مرة رؤية الخرطوش (أى ختم الملك رمسيس الثاني)، الذى يقع أسفل المسلة ويحمل اسم الملك رمسيس الثاني.

اقرأ أيضاً:-

عقود الزواج في الحضارة المصرية القديمة.

مقبرة حسي رع

الحضارة اليونانية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا