سيد الملوك المحاربين والعسكريين الإستراتيجيين

بقلم : ندي عماد

 

تحتمس الثالث

أنجبت الحضارة المصرية القديمة أعظم المحاربين وأعظم ملك مصري على الإطلاق، الملك تحتمس الثالث، ملك المجد والانتصار وسيد الملوك المحاربين والعسكريين الاستراتيجيين، ومكمل الإمبراطورية فى العالم القديم. لقد اتخذ الملك تحتمس الثالث من جدة الملك المؤسس تحتمس الأول قدوه ومثلا أعلى، وكان أبوه هو الملك تحتمس الثاني الذي مات وترك الملك الصغير وولى عهده الأمير تحتمس وحيدا تحت وصية زوجة أبية وعمته الملكة “حتشبسوت” والتي قد اغوتها لذة الحكم وداعبها سحر السلطة، فاغتصبت من الملك الصغير الحكم واقصته خلف الظل. وقد ظل تحتمس الثالث بعيدا عن الحكم لفترة كبيرة إلى أن اقصيت الملكة حتشبسوت عن المشهد السياسي فى البلاد، وخرج لنا تلك المحارب العظيم الملك ” تحتمس الثالث” والذي يعد بمثابة فخر ومجد مصر العسكري المدون بأحرف من نور واعزاز في كل كليات العالم العسكرية.

 

وقد مرت الأيام وتزوج الملك تحتمس الثالث من أخته غير الشقيقة الأميرة نفرو رع، ابنه حتشبسوت وابنه أبيه تحتمس الثاني، وماتت قبل العام الحادي عشر من حكمة. وعندما تولى الحكم، تزوج من حتشبسوت مريت رع، التي صارت زوجته الأساسية، والتي انجبت له ولى عهده الملك أمنحتب الثاني. وبينما كان تحتمس الثالث بعيدا عن المشهد السياسي ومختفي فى الظل، استثمر وقته فى تعلم فنون القتال وأصول الحرب، وهذا ما جعل منه قائدا عسكريا عظيما قلما يجود الزمان بمثله فى أرض المعارك. وأستغل البعض من أمراء ممالك بلاد الشام فترة حكم الملكة حتشبسوت وانفصلوا عن الإمبراطورية المصرية وعقدوا تحالفات مع ممكلة ميتاني الراسخة. وفى العام الثاني من حكمه المستقل عن زوجة أبية حتشبسوت_ حوالي العام 23من حكمهما المشترك _، بدأ الملك الشجاع تحتمس الثالث حملاته العسكرية فى بلاد الشرق الأدنى القديم.

 

وقد علمنا عن حملات هذا الملك الحربية من خلال حولياته التي سجلها أحد قواده على جدران معبد الكرنك. وتذكر الحوليات أن سيد الملوك المحاربيين والعسكريين الاستراتيجيين قد انتصر في كل بلد حارب فيه. ولم يحارب تحتمس الثالث من اجل تخليد اسمه فقط، وإنما أيضا كي يمجد من اسم ربه الأعلى المعبود أمون رع سيد طيبة ورب الدولة الحديثة، الذي كان يحارب تحت رايته ويجلب خيرات تلك البلدان إلى معبده وكهنته الذين كانوا يباركون الابن البار بأبيه آمون رع الملك المحارب العظيم تحتمس الثالث، وكانت الحملة العسكرية تتم من خلال خطة قوية الإحكام والتنفيذ؛ فنراه يزحف نحو غزة في عشرة أيام ويحتل المدينة ويأخذ طريقه إلى مجدو التي تمردت على حكمه ولم ترض به بقيادة أمير قادش. وقد كانت هناك مشكلة في اختيار الطريق المناسب الذي كان على القوات أن تسلكه إلى مجدو؛ فكان هناك طريقان معتادان، إلا أن تحتمس الثالث اختار الطريق غير المتوقع والضيق والأشد خطورة ووعورة حتى يحدث المفاجأة للعدو ويقضي عليه. وكان النصر العظيم حليف سيد الملوك المحاربيين تحتمس الثالث بعد أن قام بحصار المدينة لمدة سبعة أشهر.

 

وكان يخرج على رأس جيشه محاربا في سوريا كل صيف لمدة ثمانية عشر عاما. وكان يستخدم القوات البحرية المصرية لنقل القوات المصرية إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط. واحتل قادش في العام الثاني والأربعين من حكمه. وقد دانت له أكثر من ثلاثمائة وخمسين مدينة بالطاعة والولاء لحكم مصر في بلاد الشام. وقد قام سيد الملوك المحاربيين بتنفيذ حوالي سبع عشرة حملة عسكرية في غرب أسيا. بالإضافة إلى أنه قد نفذ حملات في بلاد النوبة، وأنشأ بها عددا من المعابد وساهم في تمصيرها بشكل كبير. وقد أطلق عليه عالم الأثار الأمريكي الشهير جيمس هنري بريستد “نابليون مصر القديمة”، إلا أن هذه التسمية غير موفقة؛ لأن تحتمس الثالث لم يهزم في أي معركة خاضها؛ كما أن إمبراطورتيه المترامية الأطراف أستمرت بعد وفاته في أسرته لفترة طويلة. لم تنجب مصر القديمة ملكاً يشبه تحتمس الثالث أو تأتي بمثله على الإطلاق. وكل شيء قام بفعلة الملك كان من أجل بلدة مصر العظيمة وأبناء وطنه المصريين العظام، مما جعل من مصر سيدة العالم القديم صدقا وحقا، ومن المحارب العظيم تحتمس الثالث أسطورة خالدة نفخر بها إلى يومنا هذا.

 

– المراجع المستخدمة: الفراعنة المحاربون دبلوماسيون وعسكريون/ د: حسين عبد البصير موسوعة مصر القديمة (الجزء الرابع)/عهد الهكسوس وتأسيس الامبراطورية .

– المراجعة اللغوية: ناريمان حامد .

 

إقرأ أيضاً :-
كيف بدأ الخلق فى اليونان؟

الآلهة الأوليمبية