التاريخ والآثار

أدهم الشرقاوى أخر الشطار

بقلم: عبدالعزيز مصطفى.

إن كنت مصري أو عربي فأنت علي الأقل تعرف سيرة علي الزيبق أشطر الشطار و حكايته مع سنقر الكلبي و غيرها من الحكايات و لكن مقصدي هو احتلال «الزيبق» لهذه المكانة المتميزة في عقول المصريين وقلوبهم جاء نتيجة ما يمثله هذا اللص الشريف من تحقيق قيمة العدل المبنى على أساس أن الجزاء من جنس العمل، فكما تسرق السلطة أقوات الناس وأحلامهم، يسرق الزيبق ممثل الناس السلطة التي استولت على الثروات بالبطش والطغيان، وما «الزيبق» إلا مندوب لإعادة توزيع هذه الثروة المنهوبة فهو كان نصير المظلومين دائماً و أبداً..

و گ ” الزيبق ” أمتاز بطل حكايتنا بالكثير من التشابه في كل مراحل المواجهة مع الظلم و الفساد في موطنه وصاحب حكايتنا هو الشاطر الأخير أدهم عبد الحليم عبد الرحمن الشرقاوى بالعام ١٨٩٨ في قرية زبيدة مركز إيتاي البارود في محافظة البحيرة، و قد كان الشرقاوى ينتمي إلى أسرة من الفلاحين يتولون العمدية في القرية منذ أمد بعيد كان يمتلك ذكاء حادا، وقوة هائلة وصلت إلى درجة أنه كان يرفع رحى الطاحونة الثقيلة وحده، وكذلك يجيد ركوب الخيل والسباحة، ويقال إنه كان يجيد اللغة الإنجليزية؛ حيث تعلمها في أحد مدارس مدينة كفر الزيات وقد زاد التباين فى التفاصيل المتعلقة بحياته وسبب سجنه من الأساس الذى كان دافع لبداية مشواره البطولي في مقاومة الأنجليز و لكن المعروف أنه على الأرجح أنه ثأر لمقتل عمه محمود الذي قتل قبل سجن أدهم بفترة بإيعاز من رجل يدعى إبراهيم حافظ كان يمتلك عزبة مجاورة لأرضهم، فلما علم إبراهيم بنية أدهم دبر له محاولة قتل، لكنه اكتشفها وقتل من استأجروا لقتله وبعدها يحكم علي أدهم بالسجن لأنه قتل آخرين، وفي رواية أخرى أنها كانت مكيدة حيث تم وضع مخدرات في عربته فقبض عليه الضباط وسجن قبل سنوات قليلة من قيام ثورة العام ١٩١٩

أدهم الشرقاوى أخر الشطار

(أدهم الشرقاوى الأسطورة الحية)

وقد بدأت أسطورته أدهم الشرقاوى المناضل التى تناقلتها الألسن والأسماع داخل مصر فى فترة العقد الثاني من القرن العشرين، وتبدأ تلك الحكاية عن أدهم وهو في سن التاسعة عشرة عندما ارتكب حادثة قتل، وكان عمه عبد المجيد بك الشرقاوي عمدة زبيدة أحد شهود الإثبات فيها حيث شهد ضد ابن أخيه، وأثناء محاكمته سمع أدهم أحد الشهود يشهد ضده فهجم على أحد الحراس بقصد نزع سنجته ليطعن بها الشاهد وحكمت المحكمة عليه بالسجن سبع سنوات مع الأشغال الشاقة فأرسل إلى ليمان طرة و في الليمان ارتكب جريمة قتل أخرى، حيث التقى عبد الرؤوف عيد قاتل عمه محمود وقد قبض عليه في جريمة أخرى، فضربه على رأسه بالآلة التي يقطعون بها حجارة الجبل. وهكذا حُكِم على أدهم بالأشغال الشاقة المؤبدة. ومع قيام ثورة ١٩١٩ استغل أدهم حالة الفوضى والاضطراب وهرب من السجن مع عدد كبير من السجناء، وهنا تنسب إليه بطولات خارقة ومواقف وطنية، فيقال إنه تحدى المأمور الإنجليزي «باكيت» وقاد تمرداً وسط السجناء حيث قال لهم جملته الشهيرة: «أنتم محبوسين زي الفراخ وإخوانكم بره بيضربوا بالرشاشات» في إشارة إلى ثورة ١٩١٩ التى كانت الشغل الشاغل لمصر كلها فى ذلك الوقت .

(من السجن إلى الانتقام)

وقيل أنه بفضل قوته الجسمانية خلع بوابة الزنزانة (هناك رواية تشكك في قوته الجسمانية وتؤكد فقط جرأته الشديدة وأنه لا يهاب أحداً) ثم قيد حارسه بالسلاسل، وهرب مع زملائه في الزنزانة بعد معركة دامية مع البوليس سقط فيها ما يقرب من ثمانين قتيلا داخل حدود سجن طره ثم اختفى في مكان ما في بلده، وهناك انضم إليه عدد كبير من الأشخاص.
وهنا، وتبعاً للرواية التي تراه مجرماً وقاطع طريق، بدأ أدهم في التخطيط لقتل عمه العمدة عبد المجيد لأنه شهد ضده، وارتكب العديد من الحوادث المخلة بالأمن من قتل وسطو ونهب في ناحية زبيدة حتى يكون ذلك سببا لفصل عمه من منصب العمودية فلم يفلح، ما يعنى أن العم كان مرضياً عنه من السلطة، رغم ما ارتكبه ابن أخيه ..

(يوم أتى الجنود)

و قد عززت الحكومة قوات الأمن في المنطقة وأكثرت من دورياتها، إلى أن تخاصم أدهم مع أحد أقربائه وهو خفير اسمه محمود أبو العلا فوشى به لدى البوليس ودلهم على مكانه وحين حاصرت الحكومة مخبأه تركه أعوانه خوفاً على حياتهم، فراح يتنقل بين مراكز إيتاي البارود وكوم حمادة والدلنجات.
وأخيرا أرسل ملاحظ بوليس الجاويش محمد خليل وأومباشى سوداني وأحد الخفراء فكونوا له متنكرين في غيط ذرة في زمام عزبة جلال، وكان أدهم في حقل مجاور من حقول القطن يتأهب لتناول غدائه الذي جاءت به امرأة عجوز. ولما أحس بحركة داخل غيط الذرة المجاورة أطلق عدة طلقات من بندقيته دفاعا عن النفس ولكن الجاويش محمد خليل أطلق عليه رصاصتين فسقط قتيلا قبل أن يتناول شيئا من طعامه ووجدوا معه نحو مائة طلقة وخنجرا. وتلك هي الرواية الثابتة تاريخياً بأن ثلاثة من أفراد البوليس شاركوا في قتله و على الأرجح أن أدهم الشرقاوي الذي قتل عام ١٩٢١ عن ثلاثة وعشرين عاماً فقط، كان مقاوماَ ضد الإنجليز وعملائهم وأتباعهم، وأن التشويه الرسمي لصورته كان بتعليمات من المعتمد البريطاني، وهو ما تلقفته الصحف الموالية للسلطة.
وبذلك تطوى صفحة أخرى مع الألم و الدموع و الدماء من تاريخ مصر الحديثة.

– مصادر المقال:

1-كتاب اسطورة علي الزيبق،
(الأستاذ الكاتب خالد مهدي).
2- مجلة اللطائف المصورة المصرية
العدد رقم 351 لسنه الساعه للعام 1921
و تضم المجلة الرواية الحكومية لمقتل أدهم الشرقاوي
و هي الرواية التي لم يتقبلها الشعب و ظلت علامه سوداء في تاريخ الداخلية المصرية في فترة الملكية.

– المراجعة اللغوية: ناريمان حامد.

إقرأ أيضًا:-

عراقة معبد ومدينة أبيدوس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا