التاريخ والآثار

عراقة معبد ومدينة أبيدوس.

بقلم/ بسنت محمد بكر

شهدت الحضارة المصرية القديمة عظمة في البناء والتشييد، وبرع ملوكها في إقامة معابدهم بطرز فريدة ومختلفة ومتميزة وتنم عن عراقة وأصالة تُبهر العالم إلي الآن، ومن بين هذه المعابد كان” معبد أبيدوس”.

أولًا:- مدينة أبيدوس(العرابة المدفونة).

كانت تقع ضمن الإقليم الثامن من أقاليم مصر العليا آنذاك علي بعد 70 كم من محافظة سوهاج، و12كم من البلينا.
منطقة تاريخية عظيمة شاهدة علي أحداث عدة منذ عصور ما قبل التاريخ، أقدم المدن المصرية القديمة التي يرجع تاريخها إلي 5 آلاف عام وأول منطقة شهدت بناء مراكب الشمس، وتم بناء أول مقبرة ملكية في التاريخ بها، تحوي حوالي 10 معابد بالإضافة إلي المقابر الآثار الأخري التي تم العثور عليها والتي لم يتم العثور عليها بعد.
أطلق عليها اسم “تا ور” أي الأرض العظيمة، وأطلق عليها أيضًا اسم “أب چو” والتي اشتق منها لفظة “أبيدوس”، بالإضافة إلي أن مدينة أبيدوس عرفت باسم “العرابة المدفونة” وذلك لأن المدينة بآثارها العظيمة كانت مدفونة تحت الرمال، ورغم ما وجدناه من آثار مختلفة بها إلا أنه إلى الآن ما زال جزء كبير من آثارها مدفون تحت الرمال ، تحت حوالي 120 منزلًا من الشمال يتوقع وجود الكثير من الآثار العريقة بمختلف أنواعها من المقاصير والمقابر والتماثيل والمعابد، وهذا حسب ما أقرته الحكومة المصرية؛ حيث أنه تم وضع خطة منذ بضع سنوات لنقل سكان هذه البيوت إلي مناطق سكنية أخري توفرها لهم الدولة المصرية حتي تستطيع القيام بأعمال الحفائر والعثور علي أية آثار مازالت مدفونة وباقية، ولكنها خطة لم تنفذ بعد.
كانت مركز لعبادة الإله خنتي أمنتيو قبل أن تكون مركز لعبادة الإله أوزير “رب الموت والبعث والعالم الآخر عند المصريين القدماء”، والذي من أجله تمت إقامة هذا المعبد” معبد أبيدوس” وكان وجهة الحجاج من قدماء المصريين.

عراقة معبد ومدينة أبيدوس.

ثانيًا :- معبد أبيدوس

قام بإنشاؤه الملك سيتي الأول في جنوب أبيدوس، ثم توفي وهو لم يكتمل بعد وأكمله ابنه الملك رعمسيس الثاني، بدأ إنشاؤه في نهاية القرن الثالث عشر ق.م عام 1300ق.م، علي مساحة 10 أفدنة، وكان وجهة الحجاج المصريين كما ذكرنا تيمنًا بالإله أوزيريس، ويصلوا إليه عن طريق قناة تخرج من النيل وتصل للمعبد.

إثارة الجدل حول وجود طائرات هيلوكوبتر ومركبات فضائية ودبابات عند المصريين القدماء وعلاقته بنقوش هذا المعبد.
علي إحدي نهايات الأعمدة في هذا المعبد وجدت رموز هيروغليفية غريبة وكأنها تشبه في شكلها المركبات الفضائية والطائرات؛ مما دعا كثير من السائحين والزوار سواء الأجانب والعرب أن يقولوا أن المصريين القدماء عرفوا هذا النوع من المركبات .
ولكن الحقيقة كانت عكس ذلك؛ حيث أن التفسير الصحيح لها هو تداخل بعض الرموز مع بعضها البعض نتيجة أنه كان هناك نص من عهد الملك سيتي الأول، وأثناء إكمال رمسيس الثاني للمعبد قام بوضع طبقة من الجص علي هذا النص ثم كتب نص الآخر، وبمرور الزمن سقطت طبقة الجص فتداخل النصان برموزهما مع بعضهما البعض وظهرت للعيان بهذا الشكل الذي جعل من يراه يفكر في ذلك.
وتم وضع لافتة في صالة الزوار توضح هذا الخطأ وتوضح ترجمة نصين الهيروغلية والتي جاءت كالتالي “ضارب الأقواس التسعة” نص عهد الملك سيتي الأول، “الذي يحمي مصر وهازم البلاد الأجنبية” ترجمة نص الملك رمسيس الثاني.
وبهذا يكون تم حسم الجدل حول هذا الموضوع وتصحيح الفكر.

نصوص عرفت خطأ علي أنها أشكال دبابات وطائرات

مميزات المعبد عن غيره من المعابد المصرية.

هذا المعبد يعد درة من درر العمارة المصرية القديمة.
بدأ تميزه من تخطيطه المعماري الفريد الذي جاء علي شكل حرف L علي عكس التخطيط المستطيل في المعابد المصرية القديمة؛ وهذا يرجع إلي أنه بني علي محورين ( من الشرق للغرب محور أفقي ومحور عمودي عليه من الشمال للجنوب)
بالإضافة إلي أنه المعبد الوحيد المحتفظ بسقفه إلي الآن.
كما أنه به سبع محاريب للآلهة وآخرهم محراب للملك سيتي نفسه وهذا لم يوجد في معبد آخر.
حوي ما يسمي بـ”قائمة أبيدوس” والتي ذكر فيها أسماء 76 ملك ممن توافدوا علي حكم مصر بداية من عصر التوحيد وحتي الملك “سيتي الأول” ولكن مع إهمال أسم الملكة حتشبسوت والملك أخناتون وبعض خلفاؤه بالإضافة إلي أن المسيحين قاموا بالإقامة في هذا المعبد أثناء فترة الاضطهاد الروماني لهم.
توجد آثار لتلك الإقامة من خلال وجود سواد وآثار دخان في السقف من طهي الطعام وآثار معيشتهم وما إلي ذلك .
التخطيط المعماري للمعبد.
تم الكشف حديثًا عن واجهة المعبد الأصلية فتم ظهور معالمه بوضوح.
كان يتقدم المعبد صرح ذو برجين، في ظهر كل برج منهم سبع مشكاوات يوجد بها تماثيل للملك سيتي الأول.
يبدأ المعبد بفناءين واسعين يؤديان بدورهما الي سلم يوصل إلي قاعتين من الأعمدة.
الأولي من عهد الملك رمسيس الثاني ، وتضم 24 عمود في صفين لسيقان نبات البردي وتيجانها عبارة عن زهرة بردي لم تتفتح بعد.
كانت مناظر هذه القاعة لرمسيس الأول ، وأهمها مناظر تطهير له ومناظر تمثله مع الإله خنوم ومع الإلهه حتحور وإيزيس.
الأعمدة كانت ممرات للقاعة الأخري ، وكان عمودين قريبين من بعضهما، ثم ما يليهم الممر بينهم أوسع وهكذا.
القاعة الثانية كانت عبارة عن 36 عمود في 3 صفوف تمثل جذوع شجر وكانت بدون تيجان.
الأعمدة يقصر طولها كلما اقتربنا من المحراب بسبب إرتفاع الأرض ، علي عكس بقية المعابد التي كان يقصر فيها طول الأعمدة بالأقتراب للأمام عن قصد.
ترجع هذه القاعة للملك سيتي الأول ونقوشها تنتمي إليه ويميزها تصوير الآلهه والآلهات بوضع جانبي مثل تماثيل الملك.
وتنتهي هذه القاعة بسبع قاعات للصلاة (7 محاريب) تبدأ بمحراب الإله حورس ، يليه محراب الإلهه إيزيس ، ثم الإله أوزيرس ، ثم الإله آمون ، يعقبه محراب الإله رع حور آختي، ثم الإله بتاح ، وآخرهم محراب للملك سيتي الأول نفسه (من مميزات المعبد).
محراب أوزير الوحيد الذي به باب خلفي يؤدي إلي قاعة خلفية تضم ثالوث أبيدوس ( الإله أوزير والإلهة إيزيس والإله الابن حورس).
في الجدار الأيسر لهذه القاعة بوابتين أحدهما تؤدي لصالات لثلاث آلهة أخري هم (نفرتوم ، بتاح ، سوكر).
والبوابة الثانية من خلال دخلاتها يصل إلي خمس صالات بهم قائمة الملوك ممن حكموا مصر (قائمة أبيدوس أو قائمة العرابة، من المميزات للمعبد).
وكانت تبدأ تلك القائمة بمنظر للملك سيتي الأول وأبنه الملك رعمسيس الثاني وهما يتلوان من أحد البرديات صلاة يدعون فيها الآله ، يأتي في نصها
” ليت بتاح سوكر، وأوزير رب القبر الذي يسكن معبد سيتي الأول يضاعفان الهدايا لملوك الوجه القبلي والوجه البحري بواسطة الملك سيتي، فيجعلانها ألفا من الخبز، وألفا من أباريق الجعة، وألفا من الماشية، وألفا من الأوز، وألفا من البخور على يد الملك سيتي الأول للملك منا…. ”
ثم إلي نهاية تلك الصلاة التي كانوا يقدمونها ، ثم يتبع تلك الصلاة أسماء الملوك.

عراقة معبد ومدينة أبيدوس.

الفناء الثاني كان في مؤخرته صفة تتكون من سبع جدران يتخللهم سبع أبواب تواجه السبع محاريب للآلهة.
وكان يحلي واجهة هذه الصفة الكورنيش المصري.
سجل رمسيس الثاني علي الجدار الخلفي لهذه الصفة ” نص الإهداء” ، وقام بسد هذه الأبواب التي توجد في هذه الصفة عدا الباب الأول.
كانت النقوش في هذا المعبد تجمع بين النقش الغائر والبارز.

تم العثور خلف هذا المعبد علي ما يعرف بـ ” مدينة العمال”؛ حيث أنهم مجموعة من المقابر للعمال الذين عاشوا في تلك المنطقة وبنوا مقابر ملوك الأسرة الأولي والثانية.

في نهاية المقال نكون قد أدركنا أنه:-
* الحضارة المصرية عريقة علي مر العصور وعلي قمة من البراعة في هندسة العمارة.
* *علي الرغم من كل تلك الآثار حولنا إلا أنه هناك المزيد والمزيد لم يكتشف بعد.
* لكل أمر غريب نلاحظه هناك تفسير وسبب دقيق من الممكن أن يكون عكس توقعاتنا.
* *لكل أثر ما يميزه عن غيره.

عراقة معبد ومدينة أبيدوس

مصادر المقال/

سليم حسن ، موسوعة مصر القديمة ، الجزء الثاني، دار نهضة مصر للطباعة والنشر
ماغريت موراي ، مجمع الأوزريون في أبيدوس، المدرسة البريطانية للآثار المصرية، لندن 1904م
Ancient Egypt online
المراجعة اللغوية : ناريمان حامد

إقرا أيضًا:-

افتتاح طريق الكباش، وما هو عيد الأوبت؟

أسرار وخبايا من العالم الآخر. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا