التاريخ والآثار

مصر والطاعون الأسود

بقلم: عبدالعزيز مصطفى.

مابين ضربات دفوف الدراويش، وعويل الأرامل نسجت خيوط حكاية أخرى عايشها المصريون وأفنت نصفهم في بضعة شهور؛ كان ذلك بالعام الثالث لولاية أبو المفاخر السلطان شعبان حينما عرفت مصر الطاعون الأسود الذي ضربت توابعه مصر وأدخلتها في مرحلة من الأنحدار ..

في مصر المحروسة، وتقريبا قبل نحو ٦٠٠ عام من يوم الناس هذا عرف العالم و بالأخص أوروبا الطاعون الأسود
الذي فتك بمعظم سكانها و قد دون العديد من المؤرخين الأوروبيين لتلك الحقبة على أنها أسوأ لحظات التاريخ الإنساني سوءا على الإطلاق و لكن ما لا يعرفه الكثيرون بأن ذلك المرض الفتاك اللعين قد ضرب مصر في عز قوتها وأوصلها لعز محنتها التي قادت إلى إنحدار الدولة المملوكية وتسارعت بوتيرة إنتقال السلطة بين المماليك بالقتل أو الإغتيالات طامعين في الملك المؤقت، والمال الوفير

ومن سمات تلك المرحلة التي ضرب بها الطاعون الأسود مصر فرار أهل القاهرة إلى البادية والصحراء كما جاء في السلسلة العاشورية أو الحرافيش للكاتب العالمي الكبير نجيب محفوظ كان لتشابه الأحداث مابين الواقع والخيال صدي كبير ولكن صدق أو لاتصدق فقد كان واقع المحروسة أسوء بكثير مما قد تظن في بالك فالموت في كل مكان و الجميع يفر من قدر الله لقدر الله في أرضه ..

و يروي ابن تغري بردي عن تلك المرحلة فيكتب و يقول كانت التوابيت ترص داخل مسجد الحاكم بأمر الله، والمصلين والإمام خارج المسجد من كثرتها وقد فرغ طلبة العلم من طلبة الأزهر الشريف للقراءه على قبور المتوفين بالأجر وقد ازدهرت الخطابة و النجارة و عمل صانعوا الأساس في صناعة التوابيت، والألحاد للموتى، وشيع عن أهل القاهرة بأن تورث العائلة كل من فيها بعضهم بعضاً في أسبوع واحد وفي الاسبوع الاخر ينتقل كل ما كانوا يملكونه إلى بيت مال المسلمين ..

كانت المأساة ترتسم في كل مناحي الحياة في ذلك الوقت حتى بيت السلطان نفسه فقد مات بعض أخوته وامه وكل جواريها وأمراء المماليك إلا أن بعض القادة لما علموا بالامر أخذوا جنودهم وسكنوا ضواحي البدو وعاشوا أهل الصحراء لبعض السنوات حتى إذا ماخلت مصر من نصف سكانها عاد الجميع إلى ديارهم و عادت الحياة إلى طبيعتها
مرة أخرى وزاد في مصر وقت الأزمة وبعدها حلقات الذكر والإعتكاف في الخانقاوات وقد كان السلطان شعبان من مريدين تلك الحلقات حتي استغلها بعض قادته، واخذوه في جناح الليل وقتلوه وقطعوا جسده ووضعوه في سبيل الماء الذي كان قد بناه في القرافة الكبرى للمصريين إبان تلك الفاجعة التي كانت بمصر، وماصبح الناس إلا ووجدوا سلطان مقتول وآخر على العرش ومرض قاتل بقي في الذاكرة، وكذالك هي الحياة يوم معك و يوماً عليك.

مصر والطاعون الأسود

-مصادر المقال:

 

1- كتاب النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة،ابن تغري بردي.
2- باب السلطان شعبان.
– المراجعة اللغوية: ناريمان حامد.

إقرأ أيضًا:-

شيخ العمارة الإسلامية(جامع أحمد بن طولون). 

نبذة مختصرة عن الملكة حتشبسوت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا