التاريخ والآثار

بداية مصرية لأستكشاف منابع النيل


بقلم: سهيله السيد مغربي.

 

*”فليحيا الإله الكامل، الذي في الأمواه، إنه غذاء مصر وطعامها ومؤونتها، إنه يسمح لكل امريء أن يحيا، الوفرة على طريقه، والغذاء على أصابعه، وعندما يعود يفرح البشر، كل البشر”، ترنيمة دوّنها المصري القديم في نصوصه الأدبية تبرز قدر عرفانه لنهر النيل، جاعلا منه “الإله” الخالق لمصر، واهب الحياة والخُلد لها منذ القدم*

ماذا يعني مصطلح “النيل” ؟

وذهب المؤرخ اليوناني “ديودور الصقلي” إلى إن النيل أُطلق عليه هذا الاسم تخليدا لذكرى ملك يدعى “نيلوس” اعتلى عرش البلاد وحفر الترع والقنوات فأطلق المصريون اسمه على نهرهم، وتُستخدم “نيلوس” كاسم علم مذكر بحسب عقد بيع مدوّن على بردية يعود إلى العصر الروماني، يحتفظ به المتحف المصري، بين رجل يدعى “نيلوس” وآخر يدعى “إسيدوروس“.

ويرى العالم المصري رمضان عبده، في دراسته الموسوعية “حضارة مصر القديمة”، ضمن إصدارات وزارة الآثار المصرية، أن كلمة النيل مشتقة من أصل مصري صميم من العبارة “نا إيترو” والتي تعني (النهر ذو الفروع)، كما أطلق المصريون على مجرى النهر اسم “حبت إنت إيترو” (مجرى النهر)، وأطلقوا على فروع النيل في أرض مصر “إيترو نوكيمت” (فروع الأرض السوداء) ..

“النيل رب الحياة”

لاحظ المصريون فيضان النيل وانحساره في أوقات مناسبة على نحو يمكن أستفادة أرض مصر منها، إذ يفيض في الصيف والأرض في أشد الحاجة إلى الماء، يغمرها ويجدد حياتها، وينحسر في وقت يناسب الزراعة، فتُبذر الحبوب، فكانت بداية أهتداء المصريين لفكرة التقويم.

بداية مصرية لأستكشاف منابع النيل

وضع المصريون ما يعرف اصطلاحا بـ”التقويم النيلي“، الذي يبدأ ببداية الفيضان، عندما تصل المياه إلى منطقة استراتيجية مهمة، ويعتقد العلماء أنها كانت منطقة تتوسط مدينتي “أونو” و”إنب حج”، كما لاحظ المصريون إقتران الحدث بظاهرة سماوية هي ظهور نجم الشعرى اليمانية.

أحصى الفلكيون المصريون عدد الأيام بين كل ظهور للنجم فوجدوها 365 يوما، وقسموها إلى 12 شهرا، كما قسموا السنة إلى ثلاثة فصول تحددت بناء على أحوال النيل: “آخت” وهو فصل الفيضان وبذر البذور، من منتصف يوليو/تموز إلى منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، و”برت” وهو فصل النمو، ويوازي فصل الشتاء، ويبدأ من منتصف نوفمبر/تشرين الثاني إلى منتصف مارس/آذار، و”شمو” فصل حصاد الزرع، من منتصف مارس/آذار إلى منتصف يوليو/تموز.

بداية مصرية لأستكشاف منابع النيل

“تقديس المصريين لنهر النيل”

نظر المصريون إلى النيل بعين القداسة، واستخدموا مياه النهر للتطهر ولأداء الطقوس الدينية وغسل المتوفى.

كان الأغتسال بماء النيل ضرورة حياتية مصرية كنوع من النظافة والتطهر البدني والروحي، وهي عملية تحمل معنيين، فعلي ورمزي، في وجدان المصري، أما الفعلي فهو يشمل نظافة الجسد والملبس والمأكل والمسكن فضلا عن التطهر كضرورة لتأدية الطقوس الدينية، أما الرمزي فيشمل طهارة النفس روحيا من كل شائبة.

وبرز تقديس النيل من خلال حرص المصري على طهارة ماء النهر من كل دنس، كواجب مقدس، ومن يلوث هذا الماء يتعرض لعقوبة انتهاكه غضب الآلهة في يوم الحساب.

و يشير نص قديم إلى أن “من يلوث ماء النيل سوف يصيبه غضب الآلهة”، وأكد المصري في اعترافاته الإنكارية في العالم الآخر ما يفيد عدم منعه جريان الماء درءا للخير، كما ورد في الفصل 125 من نص “الخروج إلى النهار (كتاب الموتى)” نقلا عن الترجمة الفرنسية للعالم بول بارجيه: “لم أمنع الماء في موسمه، لم أقم عائقا (سدا) أمام الماء المتدفق”، وفي نص مشابه على جدران مقبرة “حرخوف” في أسوان عدّد صفاته أمام الإله من بينها “أنا لم ألوث ماء النهر .. لم أمنع الفيضان في موسمه .. لم أقم سدا للماء الجاري…أعطيت الخبز للجوعى وأعطيت الماء للعطشى”.

خصص المصريون القدماء عددا من الأرباب ارتبطوا بنهر النيل أشهرهم الإله “حعبي”، الذي يمثل فيضان النيل سنويا، ومصدر الحياة الأولى عموما (بداية الخلق) ومصدر الحياة الأولى للمصري القديم.

بداية مصرية لأستكشاف منابع النيل

المعبود حعبي 

وُصف حعبي بـ “سيد القرابين” وكان أهم دور كمعبود هو تجسيد فيضان النيل، وورد ذكره كثيرا فيما يعرف بـ “أناشيد النيل” وضمن فقرات في “نصوص التوابيت”، كما أُطلق عليه أيضا “سيد الفيضان” و”رب أزلي” و”خالق” و”رب الأرباب” و”أقدم الأرباب”، كما وصف بـ “سيد الكل”، الذي يحدث التوازن في الكون.

يرجع أقدم ظهور للمعبود حعبي كرب للفيضان إلى عصر الدولة القديمة، وأقدم تصوير له يرجع إلى عهد الملك سنفرو، ومنذ بداية الأسرة الخامسة بدأ تصوير حعبي ضمن أرباب الخصوبة في معبد الملك “ساحورع”، كما صُور على هيئة رجل ممتليء الجسم له ثديان كبيران يتدفق منهما الماء، كرمز للخصوبة والنماء، وصُور حاملا الزهور والدواجن والأسماك والخضراوات والفاكهة، أو زهرة لوتس، شعار مصر العليا، ونبات البردي، شعار مصر السفلى.

بداية مصرية لأستكشاف منابع النيل

– مصادر المقال:
1- رحلات لأكتشاف مصدر النيل في السنوات 1768-73.
2- كتاب نهر النيل نشأته واستخدام مياهه في الماضى والمستقبل.
– المراجعة اللغوية: ناريمان حامد.

إقرأ أيضًا:-

مصر والطاعون الإسود

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا