رؤية وابداع

نحن نعاني

ليلي سمير

نحن أبناء العالم الوسطي، عالم يقبع في منتصف كل الأشياء، فلا نصل فيه للقمة ولا يُمكننا تحمل ظُلمة القاع.

نحن هنا نقف في المنتصف بين التدين والانحلال، بين العدل والجور، بين الأمان والخوف.

لا ننل شيئًا كاملًا، نأخذ دومًا نصف الأشياء، نصف حب، نصف مودة، نصف راحة، نصف أمان، نصف طمأنينة، ونصف أخلاق.

نولد بِفطرة طيبة وما أن نخرج ونمارس الحياة كبالغين تبدأ هي ممارسة دورها كمُنصِفة، فتُقسّم كل الأشياء نصفين، وتجمع داخلنا كل شيء وعكسه، تعطينا نصف اهتمام والنصف الآخر لا مُبالاة بِنا، نصف رعاية ونصف إهمال، حتى الأخلاق أصبحنا نتجرعها أنصاف، نصف أمين ونصف خائن، نصف صادق ونصف كاذب، ونصف صديق ونصف يغدر،نعيش في عالم رمادي بَحت.

 

تلك المُناصفة في الأشياء تجعلنا مُتأرجحين بين السلام والصراع، بين السكون والفزع، نخشى أن نأمن للأشياء والأشخاص فتخذلنا، ونخشى أن نهدئ فتدعسنا الأفكار والآلام، نخشى السكينة لأننا أعتادنا أن يُشاركها القلق.

نبقى نخشى ونخشى لأيامٍ وسنين عدة ثم يومًا ما نتوقف، نتوقف عن كل شيء ولكنها لا تتوقف أبدًا فتسلبنا النصف الأبيض وتبدله بِنصف الأسود، تُفقدنا تلك الرمادية التي طالما كرهناها، وتُجبرنا على السوداوية المُطلقة، ثم نعاود الكرة ونظل نكامع الألم لحظات ونصارعه أخرى، نشتاق للون الرمادي فلا نراه مرة أخرى.

تلك الصراعات والتخبطات بيننا وبين الرمادي والأسود، بيننا وبين الألم والحزن والقلق تُضعف حصون أرواحنا فنرقد، نرقد في القاع باسطي أذرعنا وكأننا نعانقه فرحين بما أؤتينا به منه لكننا أُرهقنا في معارك الحياة الساحقة، دعستنا مساوئها حتى أيقنّا أننا لا مكان لنا فيها؛ فننهض من جديد لِنقف عاليًا، ليس محاولة الوصول لِلقمة ولكن لِنُلقي بأنفسنا ونتصدم بالقاع اصطدام مداوي يُهشم أجسادنا وأرواحنا فننتهي.

إقرأ أيضاً:

سجين

هي

حلم متشعبط

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا