رؤية وابداع

لماذا افترقنا؟

آية ماجد

مراجعة لغوية : رويدا أحمد.

جلست في غرفتي أرتب أغراضي فاليوم موعد انتقالي إلى منزل جديد  وعالم جديد أيضا، سأكون بالقرب من مكان عملي وهذا أمر جيد، هكذا هي الحياة علينا دائمًا أن نتمتع بالمرونة حتى نستطيع العيش فيها حتى نستطيع تقبل مزاجها المتقلب حتى نتمكن من تخطي المصاعب ومواجهتها، وبينما أنا أجمع أغراضي رأيت ذلك الصندوق الصغير أسفل سريري ذلك الصندوق يحتوي بداخله على كثير من الذكريات، ولأكون صادقًا بدأت أنساها وأعتبرها صفحة من الماضي رغم أنها حاضري الذي أعيشه الآن.

 

فتحت الصندوق لتقع عيناي علي تلك الرسائل القديمة، لقد مر وقت طويل منذ آخر مرة فتحت فيها هذا الصندق، لم يكن يحتوي على الرسائل فقط، بل هناك دفتر أيضًا، وبعض الألعاب، وهناك بعض الأقلام، فتحت الدفتر الذي نقش في أول صفحاته : ” أحمد وأنس صديقان إلى الأبد “، كم هذا مؤلم جدًّا أن أقرأ تلك الكلمات إلى الأبد.

‏بدأت بقراءة ما فيه لأجد : ” اليوم ذهبنا سويا إلي البحر ولعبنا بالرمال لقد كان يومًا جميلًا جدًّا. “، وهكذا ذكريات مشتركة بيننا حتى انتهت صفحات الدفتر وفي آخر صفحاته كتب : “اليوم أنهينا امتحانات الثانوية وسنبدأ مرحلة جديدة لا نعلم أين سيذهب كل منا لكننا نتمنى أن نكون سويا إلي الأبد “، وهكذا تنتهي صفحات الدفتر، وأغلقه لأعود بذاكرتي إلى الوراء منذ سبع سنوات مضت عندما كنا لا نزال أصدقاء.

‏أنا أحمد وأبلغ من العمر خمس وعشرين عامًا تخرجت من كلية التجارة، وأعمل محاسبًا الآن في أحد البنوك، لم أتزوج إلى الآن، ربما لأنني لم أجد الفتاة المناسبة لي، لا أملك أصدقاء كثيرين، ربما كان لدي واحد لكنه الآن من الماضي، صديقي أنس وجاري منذ الصغر، كنا دائمًا سويًّا؛ نلعب ونلهو ونضحك ونبكي كل شيء، كنا نفعل كل شيء معا، فنحن في نفس السن ونفس المرحلة الدراسية، تعاهدنا على الإخلاص والوفاء، وتعاهدنا أن نبقى سويًّا حتى آخر أنفاس عمرنا، ومرت الأيام ونحن لا زلنا الصديقين المقربين اللذان لا يفترقان أبدًا، حتى وصلنا إلى السنة النهائية في المرحلة الثانوية، كانت هذه المرحلة هي الفارقة لكلانا، وكانت هذه أيضًا هي نهاية عهد الصداقة.

‏فبعد ظهور النتيجة كانت الصدمة من نصيبي؛ إذ إنني حصلت علي مجموع متدني رغم كل ما فعلته خلال ذلك العام، بينما حصل صديقي أنس علي مجموع يؤهله لدخول كلية الطب، كنت سعيدًا جدًّا لأجله، حتى أنني أقمت حفلا له واحتفلنا سويا، كان عليَّ أن أنسي همي وحزني لأجل صديقي الوحيد وهذا ما حدث فعلا، بعد ذلك واساني أنس وأخبرني أن صداقتنا لن تتأثر حتى لو ذهب كل منا إلى جامعة مختلفة عن الآخر، وأنا أيضا كنت على يقين أن هذه الصداقة ستظل قوية حتى لو بعدت المسافات بيننا، لكنني كنت على خطأ وهذا ما اتضح لي خلال سنته الدراسية الأولى، منذ أن دخل كلية الطب وهو لا يتوقف عن التفاخر بنفسه، كلما دخلت حسابه وجدته يضع صورا له وهو في الكلية ويرتدي ذلك البالطو الأبيض الذي لطالما حلمت بارتدائه لكنني كنت سعيدًا لأجله، ومرت الأيام وقلت المحادثات بيننا بعد أن كنا نتحدث كثيرًا أصبحنا الآن لا نتحدث، وتمر الأيام وباتت المحادثات القصيرة منعدمة تماما؛ فقلت لنفسي لا بد أنه مشغول، عليّ أن أعذره، وها هو الآن يتعرف على أصدقاء جدد بينما أنا لم أتعرف علي صديق واحد جديد؛ لأنني اعتدت علي وجود أنس ولن أستطيع إعطاء مكانه لأحد لكنه استطاع فعلها؛ استبدلني ببساطة بصديقه الجديد في الدراسة خالد ومرت الامتحانات، وكنا خلال تلك الفترة لا نتحدث أبدا حتى انتهت الامتحانات وعدنا إلي قريتنا لنتفق علي اللقاء، حينها قلت له : أنس ألم تلاحظ أننا لم نتحدث منذ فترة طويلة؟

فأجابني بهدوء : ” آسف يا صديقي ربما لأنني كنت مشغولا قليلا”

قلت له : “أقدر ذلك يا صديقي لكن هل تقبل أن تعطيني دقيقة من وقتك أطمئن فيها عليك وعلى حالك، وماذا عن صديقك الجديد خالد ”

حينها انفعل وصرخ في وجهي قائلا : ” أنت لا تقدر أنني مشغول جدًّا، فمجالي ليس كمجالك، بالتأكيد أنت تلهو وتلعب طوال الوقت ولديك وقت فراغ كبير؛ لأنك في كلية التجارة بينما أنا في كلية الطب أتعلم ما أعنيه؟، إنها القمة يا أحمد لن أستطيع شرح ذلك لك، لكنني لست مضطرا لإعطاءك أسبابا لغيابي فأنا مشغول ولن أجد الوقت للتحدث معك، أما خالد فقد كان محقا عندما أخبرني أننا يجب أن ننهي هذه الصداقة فلم تعد من مستواي الآن، وإن استمرت صداقتنا ربما أصير فاشلا مثلك وأفشل في مجالي الدراسي، دراستك ليست مهمة يا أحمد فهناك الكثيرون في مجالك، أما أنا فدراستي مهمة جدا وأمثالك لا يصلحون أصدقاءً لأمثالي، عليّ أن أكوِّن صداقات جديدة صداقات تصعد بي إلي القمة وليس صداقات تهبط بي إلى القاع، الوداع يا أحمد.”

 

تركني أنس وذهب بعدما حطم قلبي بكلماته،لم أصدق ما سمعته لكنني تأكدت بنفسي عندما اكتشفت أنه حظرني من جميع وسائل التواصل الاجتماعي، ولماذا؟، لأنني لا أناسبه هكذا قال، ومنذ ذلك اليوم ونحن لا نتحدث حتى وإن تقابلنا في الشارع صدفة نمر وكأننا لا نرى بعضنا، لقد أهانني وجرح مشاعري وجرحه لن يلتئم مهما حدث، وها أنا أسأل لماذا افترقنا، لقد كنا أصدقاءً مقربين وكنا دائما سويا فلماذا حدث ذلك؟

‏أغلقت ذلك الصندوق ووضعته في مكانه ثم خرجت من المنزل وأنا أحمل أغراضي لأجد أنس يقف أمام منزله تجاهلت وجوده لكنه اقترب مني وقال : “كيف حالك يا أحمد؟، إلى أين أنت ذاهب بهذه الحقيبة؟”

لماذا يتحدث معي الآن وقد قال لي من قبل أنني لا أصلح لكي أكون صديقه لكنني أجبته قائلا : “بخير لقد تمت ترقيتي والآن سأنتقل إلى القاهرة لأعمل في أحد البنوك هناك، عن إذنك فلا أريد أن أتأخر”

أنس : ” حسنا قل لي أهذه سيارتك؟، تبدو جميلة”

أحمد : “أجل هذه سيارتي اشتريتها من راتبي، آسف يا أنس لا أستطيع أن أطيل الحديث معك فأمامي رحلة طويلة علي الذهاب”

أنس : “أحمد هل لنا أن نعود أصدقاء؟، لقد أدركت حجم الخطأ الذي اقترفته منذ زمن وأنا الآن نادم عليه، لم أنهي دراستي حتى الآن فقد رسبت مرتين، وها أنا أحاول أن أنهي هذه الدراسة لأنني تعبت حقا من المحاولة”

أحمد : “آسف لكنك لست من مستواي لأتحدث معك عن إذنك.”

 

ركبت سيارتي وانطلقت بعيدًا عنه وأنا أراقبه من خلال المرآة، كم هو محزن يا صديقي أن تنتهي صداقتنا بتلك الطريقة ولا زلت أتساءل حتى الآن لماذا افترقنا؟ ”

إقرأ أيضاً:

لحن الخلود

ما رواه البحر

هي والماضي

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا