رؤية وابداع

ما رواه البحر

قلم/دينا توفيق

 

“اعتدت علي الذهاب إلي البحر كلما عصفت بي الحياة، حينما ذهبت إليه وجدت أمواجه تتلاطم وكأن الحزن أثار سكونها، نظرت إلي البحر قليلا فإذا به يروي لي ما حل له وأروي له ما حل بي، فسألني عن سبب مجيئي فأجبت أنني لست بخير ولست علي مايرام، فيقول أما أنا فليس لحالتي مستقر، هنا يُلقي البشر آهاتهم وأفراحهم ودموعهم الملتهبة، كانت أمواجه بمثابة دموع أشعلت قلبي، إنه يحمل أعباء العالم كله ولا يشكو، إن هذا العمق الذي يحويه يمتلىء بكل مشاعر البشر، يعطينا الهدوء والسكينة والراحة وفي الغالب نعطيه نحن الهموم والمحن التي لا نستطيع البوح بها أمام الآخرين، أما أنا فذهبت كي أشكو همومي وقلبي الجريح الذي يعتصر ألماً، فبكيت من حاله الحالك، فقال لي بصوت يملؤه السكون: لا تترد بالحديث، فرويت له عن حزني وعن الخذلان الذي مررت به، وقلت أن دموعي أشعرتني بالمشيب في هذه السن المبكرة، وأنني أحسست بالغصة مرات عديدة بروحي، وأن صديقي الذي ظننت منه المودة والاحتماء به من البشر كان أشد، قسوة من الأعداء في المعارك، وأنني لم أعد أستظل بأحد ولو أفنت روحي شمس الصراعات الداخلية، وأنني كان لي حبيب أذابني شوقاً وحرماناً، فإذا به يسمعني ويحتضن ألمي، هذه الحياة ليست سيئة كثيراً كما ظننت لأنني وجدت مفراً من الأحزان مما رواه البحر، إن همومي كلها لا تمثل قطرة في هموم البحر وأمواجه الثائرة من الحزن الذي ألقى بها البشر، هذا شاطئه عندما يلامس قدمي ماؤه أشعر بالأمان، هذا العمق كله لم يمل مني يوماً كما فعل البشر، تلك المرة الأخيرة التي شعرت فيها بهموم البحر تبخرت همومي أيضاً علي الرغم من حزني علي حاله، ولكن اطمئنت روحي بجواره وملامسة يداي لمائه البارد، إن قطراته تستطيع رسم الأمل بروحي، البحر هو المكان الوحيد الذي أستطيع الصراخ أمامه دون خوف، يحمل أعباء العالم كله ويبدلها بروح يملؤها الفرح، فلا تتردد بالذهاب إليه مهما عصفت بك الحياة وإذا حدثك بشئ لا تنسي ما رواه البحر…. ”

إقرأ أيضاً:

أمل وحنين

ثوب الخذلان

 أين المفر؟ 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا