رؤية وابداع

موج القمر

سارة محمود

بين الأمواج المتلاطمة رأيتُ خيالًا يطفو على صفحة الماء في هدوء، مستسلمًا و ممددًا على قطعةٍ خشبيةٍ اقتربت بقاربي أكثر ، وجدتُها كضوءٍ انسابَ على صفحة الماء مستسلمًا تتلاعب به الامواج كأمٍّ تهدهدُ طفلَها، أمسكتها و نقلتها إلى قاربي وإذا هي فتاة في العقدِ الثاني من عمرِها، بشرتُها بيضاء و لكنها شاحبة و بإعياء شديد متوسطة الطول، وبسرعة أمسكت يدَها لأتفَقَّد نبضها خيل لي أن نبضاتها تصارع الحياة وكأنها ترغب في الرحيل والحياةُ تتمسكُ بها، نبضاتٌ ضعيفة متهاوية، لا أعلم لماذا وجدت قلبي يخشى فقدانَها شعرتُ وكأنه يعتصرني، وكأنها قطعة مني ، هل يمكن أن يكون ذلك بسبب حالها الذي رأيتُها به؟!، لا أعرف حقًا ولكن هذا ما شعرت به.

 

بسرعة شديدة أدرتُ محرك قاربي لكي أتجه إلى الشاطئ لأجد مساعدةً ما أو أذهبَ إلى مشفى قريبٍ؛ وكأننى أود أن أسابق الريحَ لكي أصل، وإذا بي و بطريقةٍ تلقائيةٍ أمسكُ بيدها وأطمئنها بصوت مسموع لا تقلقي، ستكونين بخير أعدُكِ بذلك وسأكونُ معكِ فابقيْ معي، لا أريدُ فقدانَكِ.

‏ وبعد دقائقَ وصلتُ إلى الشاطئ ثم حملتُها بين يدي وأصبحتُ أهرولُ بين الطرقاتِ حتى وصلتُ إلى المستشفى، شيءٌ ما جعلني أصرُّ على عدم تركها مطلقًا فظللت ممسكًا يَدها خشية أن أفقدَها لا أعرف لماذا افعل ذلك ولكنني أفعله وأنا أَشْبَه برجل أصابه مس من السحر، صوتٌ داخليٌّ يحدثُني أن أفعل ذلك و كأنه شيء معتاد فعله معها و للحظة تفوهت بسؤال :” ترى ماذا حدث معكي !!!؟؟”، وكأننى مفصول عن العالم من حولي و إذا بالطبيب يقول لي بأنهم أجروا لها بعض الفحوصات الطبية ليطمئنوا و لكن حالتَها سيئة للغاية و تم عمل كل ما يمكنهم و كأنها لا تريد البقاء فى الدنيا.

‏ وما إن تفوه الطبيبُ بتلك الجملة وشعرت بأن روحي ستتركني وترحلُ هى الأخرى، وتم نقلها إلى العناية المركزة، فالأمر الآن بيد الله، لازالت عيناي ترقبها من خلف ذلك الحاجز الزجاجي، وجدتها حاولت أن تفتح عينيها للحظة، وشعرت بأن قلبي سيخرج من بين ضلوعي من سرعة نبضه، و لكنها لم تقوَ كثيرًا و سرعان ما أغلقتها و عادت إلى فقدانها للوعي مره أخرى، و كانت الممرضة للحظات تقف حائلا بيننا فشعرت بأني أكرهها أكثر، فأنا لا أريد أى حاجزٍ بيننا، لا أريد أن يفصلنا شىء، لما أنتِ الأخري يا ملاك الرحمة تكونين حائلا بينى و بين من أخذت الروح ؟

‏ لماذا يحدث لي هذا أكل ذلك من موقف ما فعلته و من الممكن لو أن أحدًا ما مكاني لفعل الشىء نفسه !!؟؟،

‏هيا أفيقي لأجلي، أمن الممكن أن أفقدكِ بعد أن وجدتُّكِ ووجدت روحي معكِ ؟، كيف يكون ذلك ؟

‏و قطع ذلك الحديث الروحي صوتُ أخي بسؤاله

‏من تلك الفتاة، وأين وجدتها، وماذا حدث ؟

سأقص عليك ما حدث، و هو لازال واقفًا أمامَها ينظر إليها ويسرد ما كان و بعد أن انتهي قال: أخي، أيعقل أن تكون بهذا الحال مع فتاة لأول مرة ؟، سبحان الله، الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف و ما تنافر منها اختلف.

 

سأقول لك شيئًا إن وجدت روحك بها وهي وجدت روحها بك فاعلم أنها هى نصفك الآخرء وروحك التي تبحث عنها، وربت على كتفه و قال لا تضيع تلك الفرصة مثلي، فأنا أضعت روحي و لم أجدها إلى الآن فلا تضيعها، ونظر إلى أخيه و قال : لا تخف لن أضيعها و لكن ادعُ لي ولها، اطمئن إن الله رحيم بعباده، ستكون بخير إن شاء الله.

‏ وتركه لكي يواصل عمله و بعد برهة طلب الإذن بالدخول لها ليكون بجانبها أكثر؛ فهذا الحاجز الزجاجي يمنعه من التقرب أكثر، فهو لا يريد حواجز بينهما، فجلس على مقعد قريب لها، واقترب أكثر لكي يلمس يدها و قال بصوت خفيض و لكنه مسموع لها : ‏أفيقي، ألم يكفِ تلك السنوات التي أمضيتِها بعيدًا عني !!؟؟، كفى بعادًا، وجاهدي وأفيقى؛ لكي تعودَ لي الحياة، أعلم أنكِ تسمعينني أنا هنا، وأحتاج إليكِ، وقلبي يحدثني بأنكِ بحاجةٍ إليَّ، لا تخشيْ شيئًا؛ فأنا معكِ وبجانبِكِ، لن أترككِ أبدًا مهما حدث، وضغط على يدها قليلًا و قال: أنتِ وتيني

‏ وبعد أن أنهى حديثَه وجدها تحاول أن تفتح عينيها ثانيةً، وكأن قلبَه سيخرج من بين أضلعه ليسمعه العالم من سعادته، وبعد أن أفاقت قليلًا نظرت له طويلًا دون التفوه بكلمةٍ، و كأن للروح حديثًا والعيون تكمله.

 

تمت.

إقرأ أيضاً:

كوني أنتي

ثوب الخذلان

بدون ماضي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا