التاريخ والآثارمقالات

لمحة حضارية فى سطورٍ تاريخية (الجزء الخامس)

بقلم الكاتبة والباحثة الأثرية : ندى محمود غريب

 

 

عصر الإنتقال الثانى

ويمتد فى الفترة ( 1785 – 1560 ق.م )، فبعد نجاح ملوك الدولة الوسطى فى إستعادة مكانة مصر فى بلاد النوبة وآسيا أدى ذلك إلى تدفق الأجانب ونشاط حركة الهجرة إلى مصر ، وقد جاء الهكسوس إلى مصر بالتدريج وتوافدوا على مراحل ونجحوا فى توطيد حكمهم وأنشأوا عدة مراكز تمركزوا فيها واستغرقت عملية الزحف والتسلل هذه مايقرب من 50 عاماً عن طريق المنطقة الشرقية للبحر المتوسط ، وبحسب مارواه “مانيثون” أن أصبحت لهم السيادة على مصر إلى أن أسسوا الأسرة 15 من خلال ماانتهجوه من سياسة جديدة فانصهروا فى القالب المصرى السياسى بدلاً من إحتفاظهم بقالبهم الخاص مما أدى نجاح سياستهم فى مصر ..

 

وبدأت حركة المقاومة ضد الهكسوس بزعامة الملك “سقنن رع تاعو الأول” وزوجته الملكة “تيتى شرى” والدا سقنن رع تاعو الثانى و إعح حتب واللذان تزوجا وأنجبا “أحمس الأول”. ومن سمات عصر الإنتقال الأول وجود مجموعات تحكم مصر ، وإذا مانظرنا فى كلمة “الهكسوس”فإننا نجدها تتكون من كلمتى “حقاو” بمعنى حكام و “خاسوت” بمعنى البلاد الأجنبية ، وإن إختلفت الآراء حول تفسير الكلمة حيث رأى مانيثون أنها تعنى “الملوك الرعاة” ..

 

ويقسم مانيتون ملوك الهكسوس إلى 3 أسرات : الخامسة عشرة وتتكون من 6 ملوك ، والسادسة عشرة وتتألف من 32 ملكاً ، والسابعة عشرة وتتكون من 43 ملكاً .. أما عن بداية المناوشات مع الهكسوس فالشواهد تدل على أن أول ملك بدأ النزاع مع الهكسوس هو “سقنن رع تاعو” ومن المؤكد أنها كانت مجرد ذريعة إتخذها ملك الهكسوس لإعلان الحرب على ملك طيبة الذى كان يدمُر العداء لملك الهكسوس ، أما عن الحروب الحقيقية التى دارت بين الهكسوس والمصريين فقد استمرت أكثر من قرن ونص من الزمان ..

لمحة حضارية فى سطورٍ تاريخية (الجزء الخامس)

عصر الدولة الحديثة

وشمل الأسرات 18 – 20 ، ولنبدأ بعصر الأسرة 18 وكان أهم ملوكها { أحمس الأول – أمنحتب الأول – تحتمس الأول – تحتمس الثانى – حتشبسوت – تحتمس الثالث – أمنحتب الثانى – تحتمس الرابع – أمنحتب الثالث – أمنحتب الرابع – توت عنخ أمون – آى – حور محب } ..

 

الملك أحمس الأول :- من الحملات التى خاضتها مصر فى غرب آسيا ، تلك التى إستهلها أحمس الأول ، بالإضافة إلى حماية الحدود المصرية من أى محاولة للغزو من جهة فلسطين ، فواجه أحمس الأول زعيم الهكسوس وطردهم من مصر ثم تتبع خطاهم فى جنوب فلسطين وقام بتدمير قواعدهم فى المنطقة الجنوبية وغزة ، تلك المناطق التى كانت بمثابة المراكز الرئيسية لقوة الهكسوس ، والذين تم العثور على أسماء ملوكهم مسجلة على جعارين فى جنوب فلسطين ، بعض هذه المناطق تم تدميرها فى القرن ال16 والحفائر بها أسفرت من العثور على بعض الأدلة التى تشير إلى آثار عنف وقعت أحداثه فى أوائل الأسرة 18 ، وهذا يفسر لنا مدى جدية وإصرار أحمس الأول فى تدمير مستوطنات الهكسوس فى جنوب فلسطين . وخلال حكم أحمس الأول لم يحث أن قامت دولة ميتانى بتهديد النفوذ المصرى فى سوريا وفلسطين ، أما عن سبب ذلك لأن دولة ميتانى لم تكن قد ظهرت بعد أو أنها كانت مازالت فى طور التكوين ..

عصر الإنتقال الثانى
لمحة حضارية فى سطورٍ تاريخية (الجزء الخامس)

 

الملك أمنحتب الأول :- قام بحملات ضد آسيا للحصول عن النحاس إما عن طريق التجارة أو عن طريق الغنائم ، ولا يمكننا تحديد تاريخ حملاته فى آسيا هل كانت قبل العام العاشر من حكمه أم بعده ؟؟ ولكن على أي حال فقد توغل شمالاً فى مناطق أبعد من تلك التى وصل إليها أحمس الأول ، وقد عاصر الملك أمنحتب الأول حكم الملك الميتانى “كيرتاKirta ” وهو أول ملك ميتانى معروف وربما هو المؤسس لدولة ميتانى ..

 

الملك تحتمس الأول :- وكانت دوافعه فى القيام بحملات ضد آسيا هى إشباع رغبته فى القتال والحرب إلى جانب توسيع حدود مصر ، واختلف الأمر بالنسبة لبلاد النوبة حيث كان الهدف من هذه الحملات هو وضع حد للنزاعات والتمرد ضد مصر .. وكان حكم تحتمس الأول معاصراً لحكم الملك الميتانى “شوتارتا الأول” عندما نجحت ميتانى فى بسط سيطرتها على شمال وقلب سوريا ، وقد أدرك تحتمس الأول مدى تأثير ذلك على نفوذه فى سوريا فى المنطقة واذا صمم على التوجه إلى سوريا لإعادتها إلى الحوزة المصرية ثانياً لذا قام بتشييد لوحة فى بلاد الرافدين يحدد فيها الحدود الفاصلة بينه وبين ميتانى ..

لمحة حضارية فى سطورٍ تاريخية (الجزء الخامس)

 

الملك تحتمس الثانى :- وفى مقدمة لوحة أسوان التذكارية والمؤرخة بالعام الأول من حكم هذا الملك تذكر بأنه تلقى جزية من الأسيويين والنوبيين وأن الأسيويين هم عبيد لجلالته ، وأن رسله إلى آسيا لو يواجهوا أى مقاومة تُذكر .. أما عن حملته ضد شعوب الشاسو فانتصر فيها وأحضر أسرى من هناك ، أما عن الجزية المقدمة له من كلٍ من سوريا وفلسطين فعكست إحترامها للنفوذ المصرى نتيجة لإنتصارات أبيه على دولة ميتانى ..

 

الملكة حتشبسوت :– عمَّ على حكمها السلام فتجنبت الحرب إلا أنه يوجد بعض النشاط الحربى خلال عصرها كما يعتقد ردفود بوجود حملتين فى سوريا وفلسطين ، أما عن حملتها ضد آسيا فهو عبارة عن نص طمسه تحتمس الثالث . وعلى أي حال فإننا لا نستطيع أن نبنى حكمنا على نصوص ، ولذلك وجدت بعض أدلة تشير إلى حملات حتشبسوت فى بلاد النوبة ، ولا يمكننا أن نغفل حملتها الشهيرة فى بلاد بونت للحصول على منتجاتها ..

عصر الإنتقال الثانى
لمحة حضارية فى سطورٍ تاريخية (الجزء الخامس)

 

الملك تحتمس الثالث :- أدت سياسة حتشبسوت السلمية إلى إنكماش الحدود المصرية فى كل من سوريا وفلسطين نتيجة الثورات التى شنّها سكان هذه المناطق ضد السيادة المصرية ، فقد بدأ تحتمس الثالث بالإطاحة بالمتمردين ومعقباً بتوسيع الحدود المصرية كما كانت من قبل وربما بشكل أكبر مما كانت عليه ، ولإنجاز هذه المهمة قام بشن عدة حملات وصل عددها حوالى 17 حملة ، كما قام بتشييد الصرح السابع ومعبداً بالكرنك ، وعددًا من المسلات ، ومقبرة ومعبدين بوادى الملوك ، ومعبدًا فى الرامسيوم ، ومعبدًا لبتاح فى منف ، ومعبدًا لمونتو فى أرمنت ، ومعبدًا لمين فى قفط ، كما قام بترميم بعض المعابد فى النوبة ، فقام هذا الملك بإدارة إمبراطوريته وخاصةً أملاكه الخارجية على أساس علاقات الصداقة والمودة ، لكن لم تخل فترة حكمه من بعض القلاقل  ..

 

الملك أمنحتب الثانى :- كان رجل رياضى من الطراز الأول ويرجع السبب فى ذلك هو تنشأة والده تحتمس الثالث له تنشأة سليمة ، فاشتهر بالفروسية وممارسة الرياضة البدنية والعسكرية فقيل عنه أن رماية قوسه كانت تتعدى آلاف الأمتار ، كما صور فى أكثر من منظر وهو يُطعم الخيل ، وكان المشرف على تربيته حاكم مدينة ثينى والذى يُدعى “مين” ، تولى أمنحت الثانى حكم مصر وهو فى سن الثمانية عشر عاماً سار على نهج أبيه وقام بشن ثلاث حملات نُقشت الأولى منها فى لوحة عَمَدة وإليفنتين والثانية فى لوحة منف حتى دانت له إمبراطورية من أكبر إمبراطوريات العالم القديم ، ومات بعد حكم دام 25 عامًا وكان قد أنجب خمسة ذكور مُحيت أسماء أربعة منهم ولم يبق إلا إسم تحتمس الرابع الذى تولى بعده ..

 

الملك تحتمس الرابع :- منذ أن تولى حكم البلاد عمل جاهدًا على إعادة النفوذ المصرى إلى ما كان علية فى آسيا وقد نجح فى تحقيق ذلك إلى حدٍ ما ، لكن يرى البعض أنه ليس الوريث الشرعى لأمنحتب الثانى ويستدل على ذلك من خلال نص دُوّن على لوحة موجودة بين ذراعى تمثال أبوالهول تسمى “لوحة الحُلم” والتى ذكر فيها أن المعبود “حور آختى” جاءه فى المنام وأخبره بأنه سيصبح ملكاً على مصر فلجوئه إلى مثل هذه القصة يدل على أنه ليس له حق فى وراثة أبيه على العرش ، ولكنه على أية حال حكم 9 سنوات أثبت فيهم كفاءته العسكرية والإدارية وترك العديد من الآثار ..

لمحة حضارية فى سطورٍ تاريخية (الجزء الخامس)

 

الملك أمنحتب الثالث :- بعد قبول الشعب لزواج تحتمس الرابع من الأميرة الميتانية التى تدعى “موت إم ويا” أنجب منها أمنحتب الثالث والذى تزوج هو الآخر من سيدة من عامة الشعب تدعى “تي” وجعلها ملكة مصر ، من هنا إتسع أفق المصريين وخرجوا من عزلتهم بل وغيروا من تقاليدهم وتسربت إليهم آراء وتقاليد لم تكن معروفة فى من قبل فانتشرت فى مصر أماكن لشرب الجعة والرقص حتى عامة الشعب إرتادوا هذه الأماكن ، وبذلك دخلت مصر مرحلة جديدة من تاريخها غلب عليها السلام كما ظهرت إتجاهات جديدة فى الفن .. وكان الملك أمنحتب الثالث ميالاً إلى الفن والمتعة والجمال وانتهز كل فرصة لإشباع ذوقه وحسه المرهف ، كما نجده أقبل على الزواج من الأميرات الأسيويات وأميرات بابل وآشور وميتانى ولم يقف ميله للنساء عند حد فكثرت زيجاته واكتظ القصر بالفتيات الجميلات .. فبالرغم من أنه كان دون الخمسين إلا أنه كان فى أواخر عهده شيخاً ضعيفاً نتيجة الإنغماس فى ملذاته ، وفى هذا الوقت تركزت السلطة فى يد زوجته الملكة تي وبعض كبار رجال الدولة وكان إبنه أمنحتب الرابع قد شاركه أواخر سنين حكمه ..

عصر الإنتقال الثانى
لمحة حضارية فى سطورٍ تاريخية (الجزء الخامس)

 

الملك أمنحتب الرابع {أخناتون}:- بإلقاء نظرة على الأحداث السابقة نجد أن مصر كانت بحاجة إلى ملك قوى محارب لتغيير ما أصابها جراء سلوك أمنحتب الثالث ، لكن أمنحتب الرابع كان شاباً متديناً حالماً لم يستطع فعل شئ فسارت الأمور إلى الأسوأ ..

نادى بالوحدانية وأن “آتون” واحدًا لا شريك له وصوّره فى شكل قرص الشمس تتدلى منه أيادى بشرية لإعطاء الحياة لجميع الكائنات ، فعمد كهنة أمون إثارة المتاعب مما أدى إلى تعصب أمنحتب الرابع لعقيدته وغير إسمه إلى “أخناتون” أى الراضى عنه آتون أو المخلص لآتون ، ثم ترك طيبة وقرر إنشاء عاصمة جديدة مكان بِكر لم تدنسه أى عبادته من قبل فاختار تل العمارنة وأطلق عليها إسم “أخت آتون” أى أفق آتون ثم إنتقل هو وأسرته ومن والاه إلى العاصمة الجديدة ولم يُعير السياسة والحياة العسكرية أى إهتمام إلى أن مات أخناتون وماتت معه دعوته ..

لمحة حضارية فى سطورٍ تاريخية (الجزء الخامس)

 

الملك سمنخ كارع :- وشوب فترة حكمه الغموض فيبدو أنه عاد لطيبه وقد تبعه توت عنخ آمون ..

الملك توت عنخ آمون :- وكان مصاحبًا لإخناتون فى تل العمارنة حيث كان متزوجاً من إبنته الثالثة “عنخ إس با إن آتون”، ولكنه عاد إلى طيبة فور موت أخناتون وغيّر إسمه من “توت عنخ آتون” إلى “توت عنخ آمون” .. كان فى بداية حكمه لم يتجاوز العقد الأول من عمره فكان صغيراً بل أشبه بالدمية فى يد الكاهن “آى” والقائد “حورمحب” فكانا هما المسئولان عن تسيير الأمور فى مصر .. حظى الملك بشهرة عظيمة فى التاريخ لا بسبب أعماله بل باكتشاف مقبرته كاملة بأثاثها وكنوزها التى أحدثت ثورة حضارية تاريخية .. مات الملك الصغير فى الثامنة عشرة من عمره ودُفن فى مقبرة بوادى الملوك ..

عصر الإنتقال الثانى
لمحة حضارية فى سطورٍ تاريخية (الجزء الخامس)

 

الملك آي :- خلال فترة أخناتون كان يشغل آي منصب كبير كهنة آمون وحمل بعض الألقاب مثل الأب المقدس والقائد الأعلى والفارس ، وبعد موت أخناتون كان آي هو الموظف الوحيد الذى بقي فى عمله ، وبعد موت توت عنخ أمون آخر من جرى فى عروقه الدماء الملكية ، نجد آي تولى عرش مصر وحكم مايقرب من خمس سنوات أنشأ فيهم معبدًا جنائزيًا فى أخميم وقصرًا قرب مدينة هابو ، ودُفن فى مقبرته بوادى الملوك ..

 

الملك حورمحب :- فور موت الملك آي سعى حكم مصر سعيًا إلى حورمحب وتم تتويجه فى طيبة .. حكم هذا الملك  لمدة 30 عامًا أنهى بهم عصر الأسرة الثامنة عشر، وكان قد حمل بعض الألقاب مثل نائب الملك وقائد الجيش .. ومن أشهر أعماله أنه أصدر مرسومًا لأحوال البلاد يشبه قوانين حمورابى ، كما عقد معاهدة سلام مع “مورسيل الثالث” ملك خيتا ليؤمن الشئون الخارجية ويتفرغ للشئون الداخلية للبلاد .. يرى البعض أن حورمحب لابد وأن يوضع على رأس الأسرة الجديدة وهى الأسرة التاسعة عشر بما إستطاع أن يصنعه لمصر ، بينما يرى البعض الآخر أنه يحتل مكانًا منفردًا بين الأسرتين كمرحلة إنتقال وتمهيد لعصر جديد ألا وهو عصر الرعامسة ..

– المراجعة اللغوية : ندى غريب .

يُتبع..

 

إقرأ أيضًا :-

لمحة حضارية فى سطورٍ تاريخية (الجزء الرابع)

لمحة حضارية فى سطورٍ تاريخية (الجزء الثالث)

لمحة حضارية فى سطورٍ تاريخية (الجزء الثانى)

لمحة حضارية فى سطورٍ تاريخية (الجزء الأول)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا