التاريخ والآثار

القلعة الخيالية نويشفانشتاين

كتبت: آيات مصطفى

 

من أجمل القلاع في العالم وأكثرها غموضا وسحراً أنها قلعة نويشفانشتاين أو كما يطلق عليها القلعة الخيالية فلقد نسجت عليها الكثير من القصص والروايات وأشهرهم على الإطلاق قصة الأميرة النائمة التي تحولت إلي فيلم كرتوني من إنتاج شركة والت ديزني وبعد نجاح الفيلم اعتمدت شركة والت ديزني الشكل الساحر للقلعة واتخذتها أيقونة لها في العديد من الأفلام.

ولكن على الجميع ان يعرف ان هذه القلعة ليست أسطورية ومن وحي الخيال بل هي موجودة بالفعل وقصتها لا تقل غرابة عن قصص أفلام والت ديزنى .

و القلعة تقع في جنوب ألمانيا أعلى السفوح الشاهقة وفي أعماق جبال الألب البافارية فوق تل خلاب ، وتبدو وكأنها شيء من قصة أسطورية فما أن تراها شامخة فوق السفوح حتى تشعر وكأنك بداخل حقبة تاريخية أسطورية وتم فتح القصر للزوار حيث يجلب هذا القصر الأسطوري ملايين الزوار من أرجاء العالم .

 

القلعة الخيالية نويشفانشتاين
القلعة الخيالية نويشفانشتاين

 

أما من أمر ببناء القصر فهو ابن الملك ماكسيمييان وولي عهد مملكة بارفاريا وقد أطلق الملك على ابنه اسم لودفيج ولكن عائلة الأمير الصغير كانت تتسم بغرابة الأطوار ولقد ورث منهم أبنهم وولي العهد هذة الصفات الغريبة فلقد لاحظ الجميع على الأمير أنه يعيش في عالم خاص به وحيداً وبعيداً عن أقرانه .

 

الأمير لودفيج في ريعان شبابة
الأمير لودفيج في ريعان شبابه

 

فكان يرتدي ملابس الفرسان ويلعب وحيداً بسيفه  الخشبي مع جذوع الأشجار الموجودة في قلعة هوهنتشواغاو  التي كان يقضي فيها أفراد العائلة المالكة موسم الصيف .

كما لاحظ الملك أن ابنه الصغير واسع الخيال فأمر بتعيين أفضل المعلمين له ووضع له جدول تربوي حازم وصارم ،ولكن أميرنا الصغير آبي أن يتعلم فهو لم يهوَ العمل السياسي ولا الحياة الاجتماعية بينما كان مولع بالموسيقى وخصوصا حفلات الأوبرا وكان محباً للرسم والازياء ويهوى الشعر وكان له صديقاً واحداً فقط وهو الأمير بول .

 

الملك لودفيج
الملك لودفيج

 

وعندما أصبح شاباً يافعاً فلقد اقتصرت علاقاته النسائية علي خطيبته وابنة عمه الأميرة صوفي ولكن سرعان ما تم فسخ الخطبة وكانت تجمعه صداقة بابنة عمه الأخرى الأميرة إليزابيث التي أصبحت فيما بعد إمبراطورة النمسا وغير ذلك فلا توجد للأمير أي علاقات نسائية فإنة لم يتزوج فلقد فضل العيش وحيدا منعزلا .

وبعد موت الملك ماكسيمييان الثاني تولي الأمير الصغير مقاليد الحكم وجلس على العرش ولم تكن له أي دراية بالحياة السياسية ولا أي خبرة في إدارة شئون الحكم وتوج باسم لودفيج الثاني في عام ١٨٦٤ ورغم خبرته القليلة إلا أنه نال محبة شعبة بسبب لين قلبه وكونه شاباً صغيراً بهي الطلعة وكان أيضا كريماً على الفقراء والبسطاء من أفراد شعبه .

وأما عن علاقته بالحكومة فكانت علي النقيض تماما على عكس علاقته بشعبه فلقد كان يكره جلسات الحكومة والبلاط الملكي .

 

وبعد عامين فقط من حكمه أي في العام ١٨٦٦ أنهار تحالفه مع النمسا على يد بروسيا مما أدى إلى خضوع مملكته بالكامل ل بروسيا وفي تلك الأونة ظهر المستشار الحديدي بسمارك الذي كان ينوي توحيد البلاد وأجبروا الملك الشاب على الانصياع لهم ووقع على معاهدة تنص على أن تصبح بافاريا جزء من الإمبراطورية الألمانية الجديدة تحت حكم عمه الإمبراطور ويلهام الأول .

القلعة الخيالية نويشفانشتاين
القلعة الخيالية نويشفانشتاين

 

ومن بعدها فقد الأمير اهتمامه الباقي بالسياسة لأنه شعر أنه تابع وفقد استقلاليته ولم يعد يلتقي بحكومته وانصرف تماما ليعود إلى اهتماماته السابقة .

فبني أوبرا ضخمة في ميونخ وأخذ الملك الصغير يوجه كل اهتمامه للبناء العمراني فشيد المسارح والقصور الفارهة والحصون والقلاع الضخمة ومن أشهرها علي الإطلاق القلعة الخيالية التي كان يحلم ببنائها منذ كان صغيراً.

 

القلعة الخيالية نويشفانشتاين
القلعة الخيالية نويشفانشتاين

 

فبدأ الملك ببناء القلعة في عام ١٨٦٨ على الطراز الرومانسكي والقوطي وكان هذان الطرازان هما السائدين في أوروبا في العصور الوسطى وقد أنفق الملك على قلعته الخيالية من أمواله الخاصة وكان يشرف على كل تصميم بها ولم ينتهي العمل بها كما كان مخطط في غضون ثلاث سنوات فلقد أمر الملك بجلب أطنان من المرمر الفاخر وأجود أنواع الخشب المرصع بالأحجار الكريمة والمطلي بالذهب والفضة .

كهفاً تنهمر به الشلالات بداخل القلعة
كهفاً تنهمر به الشلالات بداخل القلعة

 

وقد بنى الملك لنفسه في القلعة كهفاً تنهمر فيه الشلالات ليخلو إلى نفسه بداخله ، وأدت تلك المصاريف الباهظة التي صرفت على القلعة إلى غرق الملك في الديون إذ استدان من جميع أفراد عائلته ثم استدان من البنوك حتى وصلت ديونه إلى ١٤ مليون مارك وهذا المبلغ يعتبر فلكي بحساب تلك الحقبة الزمنية ورغم كل تلك الديون إلا أن الملك لم يتنازل عن حلمه في تجهيز قلعته الخيالية أو حتى عن تخليه عن طرح مشاريع جديدة مما جعل الحكومة في حالة استنكار لأعمال الملك وازداد الخلاف بينه وبين الحكومة بالخصوص بعد طلبه قرض قدرة ٦ ملايين مارك لإكمال قلعته الخيالية وسداد بعض من الديون القديمة ولكن الحكومة رفضت إقراض الملك فقرر أن يقيل حكومته وفي نفس الوقت بدأت الحكومة في التخطيط للتخلص منه بالتعاون مع عمه وكان من المخطط أن يعلن أن الملك قد أصابه الجنون من أجل خلعه عن العرش وأنه مجنون بالوراثه ولا يصلح للحكم .

قلعة بيرج بالقرب من بحيرة ستارنبيرغ
قلعة بيرج بالقرب من بحيرة ستارنبيرغ

 

قدم أصدقاء الملك له النصيحة بوجوب فراره إلى ميونخ لكي يحظى بعناية الشعب له ولكن بسبب تردده حوصر الملك في قلعته الخيالية وتم القبض عليه وأخذ قسرا إلى قلعة بيرج بالقرب من بحيرة ستارنبيرغ الواقعة في جنوب ميونخ وفي يوم خرج الأمير للتنزه و معه طبيبه الخاص في حديقة القلعة وأمر الطبيب الجنود بعدم الخروج معهم ولاكنهم تأخروا في العودة وبدأ المطر يهطل بشدة فخرج الحراس للبحث عنهما قرابة الساعتين وتم العثور على الملك وطبيبه الخاص ولكن جثتين تطفو فوق سطح البحيرة وأصدرت الحكومة البافارية بيانا بأن الملك مات منتحراُ على الرغم من أنه كان معروف عن الملك إنه سباح ماهر .

 

القلعة الخيالية نويشفانشتاين
القلعة الخيالية نويشفانشتاين

 

وبعد تشريح الجثة تبين أن الرئة خالية من وجود مياة أي أن الملك لم يمت غرقا بل قتل وألقي في البحيرة وحتى الطبيب الخاص بالملك فقد وضح التقرير الطبي وجود أثر لضربة على الرأس وكدمات في أجزاء متفرقة من جسمه وخاصة الرقبة حيث وجدت آثار لخنق الجثة حتى الموت ولكن لا يوجد أي دليل أو شاهد عيان على الحادث وبعد فترة طويلة من موت الملك توفى الصياد الخاص بالملك جاكوب ووجدوا رسالة بخط يد الصياد مضمونها أنه كان في انتظار الملك لتهريبه من منفاه من قلعة بيرج وكان ينتظر الملك في قارب ببحيرة ستارنبيرغ وفعلاً وصل الملك للقارب ولكن قبل وضع قدمه في القارب انطلقت رصاصة وأصابت الملك وسقط قتيلا في الحال في البحيرة وأُخذ عهد علي الصياد بعدم التكلم عن الحادث أو حتى فتح فمه .

وطبعا التقرير الطبي الذي خرج لم تكن فية أي ذكر بأن الملك كان مصاباً بالرصاص وتظهر بعد عدة سنوات رواية أخرى تخالف التقرير الطبي حيث في إحدى السهرات أخرجت سيدة من قريبات الملك معطفاً رمادياً خاص بالملك وعرضته على ضيوفها وأكدت أن الملك كان يرتدي هذا المعطف وقت وجد قتيلا والمفاجأة أن بالمعطف أثر لثقبين كبيرين يدل أن صاحب المعطف تلقى رصاصتين .

وبعد موت الملك تولي شقيقه أوتو العرش ولكن تم إزاحته هو الآخر بحجة الجنون وجلس على العرش عمه ليوتبود .

القلعة الخيالية نويشفانشتاين
القلعة الخيالية نويشفانشتاين

 

وأضافت قصة موت الملك في ظروف غامضة الكثير من السحر والغموض للقلعة الخيالية التي بناها الملك مثلما تمنى ليعيش وحيدا وفي عزله بداخلها وسط سحر قلعته الخيالية حيث يذكر أن الملك قال في يوم لأحد وزرائه “أريد أن أبقى’ لغزاً أبدياً لنفسي وللآخرين” وفعلا تحققت أمنيته حيث أصبحت حياته وقلعته لغزاً ساحراً يحاك عليها القصص والروايات حتى قلعته والتي أصبحت فيما بعد تجذب الملايين من السياح بعد ما كان من المخطط أن تكون في معزل عن العيون والناس فأصبحت أيقونة للخيال والجمال الغامض لكل سائح يرغب في مشاهدة هذا السحر والجمال الخيالي .


 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا