عدل
أمل منشاوي
يتماوج الضوء المنبعث من المصباح المثبت أمامه فجعل رؤيته للأشياء باهتة ومشوشة، الجدران تلف أمام عينيه في دائرة حلزونية، يرفع رأسه بوهن لكن سرعان ما يتهاوى ثانية، ألم شديد أسفل ظهره أنساه بقية أعضاء جسده كأنها انفصلت عنه، يحاول أن يتذكر ما حدث لكن ذاكرته لا تسعفه إلا بومضات سريعة تضرب رأسه ثم تبهت و تختفي، صوت جريان ماء يتدفق من صنبور يشوش عقله الذي سرعان ما غاض في لجة مظلمة ثم عاد من جديد، أصوات تتداخل، صراخ وضحكات ماجنة
_أنت مجنون.
سحبت حقيبتها بغضب وهبت واقفة، قبض على معصمها بغضب
_ليس بإمكانك فعل أي شيء، لن يستطيع أحد إيقافي.
قالها بحقد، رمقته بازدراء ثم خلّصت معصمها من يده بعنف، قالت قبل أن تغادر:
_خائن.
صفقت الباب خلفها بشدة كاد يتحطم على إثرها زجاجه، صمت هنيهة يستوعب الأمر ثم أطلق ضحكة ماجنة تردد صداها في أرجاء القصر الخالي من أي إنسان إلاه، يعلم أنها ستعود، ليس أمامها خيار آخر، فعل كل ذلك لأجلها، أصبح كل شيء الآن ملكه وحده، وهي شيء من هذه الأشياء، لا يهمه كيف حدث ذلك ولكن المهم أنه قد حدث، صرخ بجنون
_أنا الملك.
الماء المتدفق يخترق أذنيه، بدأت الجدران أمامه تثبت شيئا فشيئا، عيناه تجوب في المكان تستكشفه، الجدران المبطنة بالسيراميك الأحمر ذو النقوش المذهبة أعادت له بعضا من ذاكرته.
دق هاتفه فأجاب بهدوء، على الطرف الآخر مدير أعماله يذكره بموعد هام، ساعات قليلة ويحصل على أكبر صفقة في القطر كله، بذل من أجلها الكثير وضحى بأقرب إنسان لديه، لكنه لم يندم، تهادى على السلم الرخامي الذي كان يتهادى عليه أخوه من قبل ، كان يحتاج إلى حمام دافئ كي تهدأ أعصابه التي أتلفتها تلك الحمقاء،أليست شريكتي منذ البداية؟ الآن تدعي الشرف وتصفني بالخيانة!. حدث نفسه مستنكرا. يضع قدمًا عارية على الدرج الرخامي البارد ويرفع الأخرى، تنعشه البرودة فيأخذ نفسًا عميقًا يرتفع معه قفصه الصدري، تمر الأحداث أمام عينيه
_الحل الوحيد أن أنقل ثروتي كلها لزوجتي
_ كأنك لم تفعل شيء ما دامت زوجتك، سيأخذون كل شيء.
_سأطلقها.
يصعد بهدوء،
_ انا أثبتُ حسن نيتي وجعلته يكتب لك ثروته، وعليكِ أن تثبتي حسن نيتك لنكمل ما بدأناه.
_ماذا تريد؟
_توكيل عام منك!
_ولكن …
_ مادمت قلقة فانسي الأمر
_ لا … ولكن …
_سنتزوج..
وصل إلى الأعلى، توجه نحو الحمام، وقف أمام المرآة وأخذ ينزع ملابسه قطعة قطعة بهدوء
_المحاكمة غدًا… لا تتأخر بالأوراق التي تثبت براءتي.
_ اطمئن.
أعاده صوت الماء الهادر للحظته الآنية، مازال ممدًا في حوض الاستحمام الضيق منذ أن انزلقت قدمه وهو يضعها فيه، فقد التحكم في جسده الذي غطاه الماء الدافئ المتدفق من الصنبور، عيناه شاخصتان بهلع نحو المصباح، وصوت الماء المتدفق يملأ أذنيه.
مراجع لغوي:دعاء الزغبي
إقرأ أيضاً:
اصبر على قضاء الله تنجو
خطوات أخري
سيأتي يوم جديد
