رؤية وابداع

طيف

أمل منشاوي

جلس خلف مكتبه العتيق غارقا بين أوراقه المتناثرة أمامه، أخرج القلم الأبنوسي من علبته المبطنة بالقطيفة الزرقاء والذي أهدته إياه في عيد ميلاده الفائت، على يمينه تقبع صورتها بالفستان الأزرق ذو الياقة البيضاء وغطاء رأسها من الساتان الأزرق والملتف حول رقبتها خلف زجاج شفاف مؤطر بإطار خشبي مذهّب، حانت منه التفاتة إلى وجهها البلّوري المستدير، تحمل في عينيها طهر الملائكة وبراءة الأطفال، ابتسم بنصف فمه الأيسر مقلدًا ابتسامتها العذبة، كتب في منتصف الصفحة البيضاء عنوان القصيدة ” حبيبتي والقمر”، هُيء إليه أن ابتسامتها تتسع بعدما نطق العنوان بصوت مرتفع قليلا فابتسم لها من جديد غامزًا بعينه اليسرى، استغرقته الكتابة فلم يشعر بها وهي تتسلل بخفة بقدميها الصغيرتين العاريتين، اقتربت منه، دارت بخطوات هادئة حول المكتب حتى أصبحت خلفه، مشت بأطراف أناملها صعودا وهبوطا فوق غابة صدره الكثيفة والبادية من فتحة قميصة الأسود، احتفظ بهدوءه ولم يعرها انتباها، مالت عليه بصدرها الأبيض، احتضنته بذراعين مرمريين، لثمت شحمة أذنه بشفتيها القرمزيتين، استسلم لها، أنفاسها الحارة تحرق رئتيه، أمسكت يده القابضة على القلم الأبنوسي و كتبت معه:

أحبك رغم اختلاف القدر

ورغم البعاد ورغم السفر

ورغم عنادك ورغم دلالي

فحبي عميق كعمق البحر

كحب الطيور لضوء الصباح

وحب الورود لسقيا المطر

وشوقي إليك كشوق السماء

في ليل بهيم لضوء القمر

التفت فجأة محاولا القبض بشفتيه على شفتيها، كانت أسرع منه فتسللت من بين يديه حاملة بقايا عطره في أنفاسها، تفلت طرف ثوبها الأبيض الشفاف من بين أنامله وهو يحاول إمساكه يريد إبقائها، أخرجه رنين الهاتف من لحظة الانتشاء، أضاءت شاشته معلنة عنها، ابتسم بزهو المنتصر ثم أجاب بهدوء:

_ مرحبا

أتاه صوتها يهدر متوعدا

_ تبا لك، أفسدت صلاتي من جديد.

إقرأ أيضاً:

سجين

وقف الرسول

هل تأتي؟ 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا