رؤية وابداع

“حرب مؤجلة”

أمل المنشاوي

جلس مطأطئً رأسه الأشيب متكيء على عصى عاجية مطلية بطلاء أسود، لا تفارق عيناه تلك النقوش الهندسية العتيقة المرسومة على البساط المفروش تحت أقدامنا، ما زال محتفظًا بحالة الصمت التي تلبسته منذ لقاءنا الأخير، أردت أن أكسر الصمت والهدوء الذي أطبق على المكان فقلت له بطريقة العجائز الذين يعودون إلى الماضي عبر حكايات يسردونها بتؤدة وتأن:

(شاهدت أمس فيلمي المفضل الذي شاهدناه معًا وقت الهدنة العاطفية التي عقدناها، كنتُ مطرقة وأنا أنظر نحو الشاشة ولا أرى فيها إلا صورتك، وكنت أنت جالسًا عن يميني تخرج لي حبات البندق من قرطاس ورقي ابتعناه من طفل صغير كان يقف مع أبيه خلف عربة خشبية محملة بأنواع الفول و الترمس والبندق أمام السينما، لم تتكلم يومها .. فأنت ملتزم بالهدنة، أما أنا فكنت أتحرق شوقًا لسماع كلمة منك، أفعل أفعالًا صبيانية، أنقر على الأرض بكعب حذائي، أو ألقي قشر البندق والترمس على الأرض، وأنت تنهرني بعينيك الرائعتين .. الغاضبتين، اشتعل غيظي فألقيت القرطاس من يدك وصرخت

_أعدني إلى البيت.

لم تقل شيئًا ولم تنفعل ولكن أفسحت لي الطريق وخرجنا، عدنا صامتين كأن عزاء مقام بيننا، لم تودعني… بل انتظرت حتى اختفيتُ أنا في حضن البيت ثم رجعت، لم تلتفت إلي وأنا أرقب من نافذتي خطواتك الحزينة وهي تبتعد، … هل أحزنك أن نتهادن في الحب ؟) سألته بطفولة افتقدتها منذ ذلك الحين، لم أنتظر منه جوابًا ولكن أكملت (ظننتك ستعود … لا .. بل تمنيتك أن تعود …لكنك لم تفعل وإنما تركت نيران الغضب تأكلني، الآن .. أنا قد احترقت ولم يتبق مني سوى ذكرى هدنة أبدية)

التفتُ إليه وقد برقت في رأسي فكرة، قلت بسذاجة :

_ هل جئت لتكسرها؟

_أكسر ماذا؟

_ هدنتنا!

_أية هدنة

_لماذا جئت إذًا؟

_ جئت كي أسألك… هل كنت تعنين حقا ما قلتيه ليلتها؟

_ وماذا قلت؟

_ قلتِ أنك ستكونين أفضل لو افترقنا !

_ هل قلت هذا حقا؟!

_ نعم

_ .. لا أذكر!

_ همممممم … عن أي فيلم تتحدثين

_ فيلم ! … أي فيلم؟

إقرأ أيضاً:

نداء

الكوخ العظيم

عادي  جداً

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا