رؤية وابداع

وخز عصب

أمل منشاوي

 

ألقيت بجسدي المنهك على أقرب مقعد، الصعود أصبح مرهقاً لمن يعانون ألماً في العمود الفقري مثلي، جلست ألتقط أنفاسي بينما ذهب زوجي ليسجل اسمي في كشف المرضى، الأعداد تنبئ بأن يومنا سيطول

” أمامنا عشرة أسماء” همس زوجي في أذني وهو يجلس بجواري، أومأت باستسلام ورحت أمارس هوايتي المعتادة وقت الانتظار في العيادات، جالت عيناي تدرس تفاصيل المكان وتعيد ترتيبه كما يحلو لي، قطعت خيالاتي صرخة مدوية قادمة من مكان تخفت فيه الإضاءة عن يميني، المرضى ما بين واقف وجالس ومضجع من شدة الألم، انتبهوا جميعا وراحوا ينظرون ما الأمر، الصرخة تبعتها صرخات، وضعت يديّ على أذني كما يفعل الأطفال عند سماعهم صوتاً يخيفهم، توجهت عيناي إلى حيث ذهب الناس، الرؤية غير واضحة، أشباح تتلوى أمامي، عادت واحدة بعدما استكشفت الأمر وجلست بجواري

” ما الأمر؟ ” سألتها بهلع

“مسكينة، تشكو ألماً برأسها حار فيه الأطباء” قالت السيدة بأسى ثم استطردت” ما زالت صغيرة، عروس لم يمض على زواجها عام، أولاد الحرام عاملين لها عمل” خفق قلبي حزناً وألماً، قلت في نفسي “الحياة مخيفة” ثم تحولقت، لا أدري لماذا تذكرتها، أخرجت هاتفي وطلبتها، أتاني النداء الآلي يخبرني أن الهاتف المطلوب مغلق، الصراخ ينقطع دقائق ثم يعود، اعتاد الناس الأمر، في كل مرة يملأ الأسى عيونهم لحظات وتتمتم شفاههم بالدعاء لها ثم يعودون لأحاديثهم التي لا تنتهي.

سمعت الممرضة تهتف باسمي، توكأت على ذراع زوجي متجهة نحوها

“غير مسموح باصطحاب مرافق” قالت الممرضة بطريقة آلية، عاد زوجي وتركني، جلست أنتظر دوري في قسم الأعصاب، في المستشفيات الناس جميعهم مرضى، بجواري امرأتان تشكو كل واحدة ألمها للأخرى، ذكرت إحداهما ابنتها التي زوّجتها حديثاً، قالت بامتنان” زوجها وحماتها بارك الله لهما يتركانها تأتي لتساعدني في شئون البيت”عدت بذاكرتي لحديثنا القريب، كلماتها رغم شدتها ما زالت تسعدني، عنفتني وهي تدلك يديّ المتورمتين من غسيل الأطباق،

_قلت لك لا تفعلي شيئاً حتى أعود من العمل.

_ وماذا أفعل حينما تتزوجين؟

قلت مدافعة عن نفسي، قالت:

_ لن أتزوج حتى تشفى يداك وقدماك

ابتسمت بأسى، أخرجت هاتفي وعاودت الاتصال بها، ما زال النداء الآلي يخبرني أن الهاتف مغلق، أغلقت عيني باستسلام وتحولقت، جاء دوري في الكشف، ألقيت التحية على الطبيبة فردتها بابتسامة لم أرها على ثغرها لارتدائها قناعاً طبياً ولكن رأيت أثرها في عينيها الخضراويين و اللتين تشبهان عيني ابنتي، شرحت لي بهدوء كيف سيتم عمل رسم العصب على يدي، كنت أرتجف، لا أدري أمن الخوف أم من شيء آخر، مع كل رجفة كهربية أتذكرها، أبتسم رغم الألم

_ ماذا قال الطبيب؟

_قال أحتاج لوخز عصب

ضحكتْ طويلاً ثم قالت

_ رسم عصب يا ماما، اسمه رسم عصب.

انتهت الطبيبة وقامت لتودعني، قبل أن أخرج ضممتها إلى صدري طويلاً. في الطريق طلبتها من جديد، قلت لزوجي بتأفف

“البنت لا ترد، هاتفها مغلق، ما زالت نائمة”

لم يتكلم، حين وصلنا هرعت إلى غرفتها لأوقظها، بينما وقف هو يتأمل صورة بشريط أسود لفتاة ذات عينين خضراويين.

تمت

إقرأ أيضاً:

سجين

عاشقين

أمل وحنين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا