مقالاتالتاريخ والآثار

هدنة عيد الميلاد

بقلم : عبدالعزيز مصطفي

 

يُقال بإن شيخ الأزهر الشيخ المراغي رحمه الله حين قالوا له بأن السلطان حسين كامل قد وافق على مشاركة مصر في الحرب العالمية الأولى قال و قد كان بين طلابة تحت أحد أعمدة الأزهر الشريف ” تلك حرب لا ناقة لنا بها أو جمل “، صدق الشيخ في التعبير عن حال الجيوش المتحاربة كلها لا حال مصر وحدها في الحرب العظمى ( الحرب العالمية الأولى ) فلم يكن أحدا يوشك أن يقاتل عن يقين حقيقي لصالح بلادة بل قتال لأجل الانتقام الأعمى بين العائلات المالكة في أوروبا صراع عروش لا أكثر كما وصفه قيصر ألمانيا فإليكم ما حدث كما ورد لنا في عصرنا هذا ؛ بدأ كل شيء في شهر يوليو من العام 1914، عندما كانت البشرية و العالم على موعد مع بداية واحدة من أسوأ النزاعات الدموية إن لم تكن ابشعهم على الإطلاق عقب إعلان الإمبراطورية النمساوية المجرية الحرب على صربيا بعد شهر واحد عن حادثة سراييفو وتفعيل سياسة التحالفات، غاص العالم في أهوال الحرب العالمية الأولى الخراب الذي استمر لأكثر من 4 سنوات يجوب الأرض وتسبب في مقتل وإصابة ما لا يقل عن 40 مليون إنسان لا ذنب لهم في حرب العائلات المالكة تلك ..

السلطان حسين كامل
هدنة عيد الميلاد

 

ومع بداية ذلك النزاع العالمي الغريب ، توقّع الجميع تواصل الحرب لبضعة أشهر ونهايتها مع اقتراب العام الجديد إلا أن ذلك لم يكن سوى حلم طفولي بعيد المنال. فمع حلول شهر كانون الأول/ديسمبر 1914، تسببت المعارك التي استمرت لخمسة أشهر في سقوط ما لا يقل عن مليون قتيل وتركّزت الحرب بالجبهة الغربية داخل الخنادق ملوحة بإمكانية تواصل القتال لسنوات أخري قادمة و من جهة ثانية، وجد ملايين الجنود الألمان والبريطانيين والفرنسيين أنفسهم عالقين داخل الخنادق وبعيدين عن أوطانهم و عائلاتهم مع اقتراب الكريسماس الأول خلال الحرب حيث لم يكن بوسع هؤلاء مشاركة أقربائهم أجواء فترة أعياد الميلاد السنوية واضطروا فقط الاكتفاء ببعض الرسائل التي نقلها لهم البريد الحربي للاطمئنان على أحبّائهم الشغف بكل ما قد ينقله لهم من انوا على خطوط النار الأمامية في تلك الحرب العبثية ..

السلطان حسين كامل
هدنة عيد الميلاد

 

وعلى الرغم من الجانب الدموي الذي تميّزت به تلك الحرب طيلة الأشهر السابقة، لم يخلُ هذا النزاع العالمي من جانب إنساني. فما بين يومي 24 و25 كانون الأول/ديسمبر 1914، شهدت الجبهة الغربية حادثة فريدة من نوعها دوّنها التاريخ تحت مسمى هدنة عيد الميلاد حيث جاءت هذه الواقعة لتطرح تساؤلات حول طبيعة هذه الحرب التي انساقت نحوها مختلف القوى العالمية.

عشية عيد الميلاد، سمع الجنود البريطانيون أصوات ترانيم الكريسماس قادمة من الجهة المقابلة عند الخنادق الألمانية. وعلى الفور، باشر البريطانيون بدورهم بإنشاد ترانيم مماثلة انطلاقاً من مواقعهم داخل الخنادق وبعض مناطق الجبهة الغربية، لم يتردد عدد من الجنود المتحاربين بنطق كلمات “عيد ميلاد مجيد” بصوت عال، انطلاقاً من الخنادق التي تحصنوا بها، متمنين بذلك احتفالا سعيدا للعدو و للجميع ..

السلطان حسين كامل
هدنة عيد الميلاد

ومع شروق شمس يوم عيد الميلاد، حدث ما لم تكن تتمناه القيادة العسكرية لكلا الأطراف المتحاربة حيث خفتت أصوات المدافع وخرج عدد من الجنود الألمان من خنادقهم واتجهوا نحو خنادق البريطانيين رافعين أيديهم ومرددين عبارات “عيد ميلاد مجيد”. وبادئ الأمر، آمن البريطانيون بوجود كمين ألماني إلا أنهم تيقنوا من صدق نيّة الجنود الألمان بعد أن تأكدوا من عدم وجود أسلحة لديهم ليخرج بذلك الجنود البريطانيون من خنادقهم قبل أن يتجهوا صوب الجنود الألمان ..

وخلال هذا اللقاء الفريد و الغريب من نوعه، عانق الجنود المتحاربون بعضهم البعض ورددوا ترانيم الكريسماس وتبادلوا الهدايا ودفنوا جثث قتلاهم كما أقاموا مباراة كرة قدم بين بعضهم البعض. فضلا عن ذلك، لم يتردد الألمان والبريطانيون في تزيين بعض أشجار عيد الميلاد سويا قرب الخنادق ..

إلى ذلك، لم تدم هذه الهدنة غير الرسمية التي أقامها الجنود للاحتفال بعيد الميلاد طويلا حيث دوّت أصوات المدافع مرّة ثانية ليعود بذلك الألمان والبريطانيون نحو مواقعهم على عجل، بعد أن ودّعوا بعضهم البعض، وتستأنف العمليات القتالية مرة اخرى .

على حسب مصادر عديدة، شهدت فترة الحرب العالمية الأولى عددا من الهدنات المشابهة بمختلف جبهات القتال طيلة العامين الأولين من الحرب قبل أن تندثر هذه العادة بحلول العام 1916 تزامنا مع انتشار استخدام السلاح الكيمياوي وارتفاع أعداد القتلى ..

السلطان حسين كامل
هدنة عيد الميلاد

و من جهة ثانية، حاولت جميع الأطراف المتحاربة إخفاء حقيقة هدنة عيد الميلاد. فبعد نحو أسبوع، ظهرت أخبار هذه الحادثة بالصحف الأميركية تنتشر منها نحو بريطانيا. وبفرنسا، حجبت الإدارة العسكرية أخبار الهدنة ومنعت الصحف من نقلها فلم يعلم الفرنسيون بها إلا عن طريق بعض الجنود المصابين. و بألمانيا نقلت بعض الصحف خبر هذه الهدنة بطريقة ثانية وأدانت الحادثة واعتبرها إهانة للوطن. أيضا، تحدّث البعض عن تعرض عدد من الجنود المشاركين بهذه الهدنة لعقوبات فنقلوا نحو جبهات أخرى أكثر قسوة ليلقوا حتفهم بها ..

و من الصدف الغريبة ان القائد النازي هتلر قد تحدث عنها فقد كان عريف وحدته و قد شعر بأن تلك الهدنة ما هي إلا خيانة لروح العسكرية الألمانية و للقيصر في ذلك الوقت ..

مصادر المقال ..

مقال الصحفية ليزي ديردن بجريدة (الإندبندنت) بتاريخ 24/12/2014 خلال الإفراج الكامل عن الرواية الكاملة من دائرة العموم البريطاني لأحداث ما عرف بهدنة عيد الميلاد بكل ما فيها من روايات طويله وكاملة للجنود المشاركين بها ..

– المراجعة اللغوية: ناريمان حامد.

 

 

إقرأ أيضاً :-

الجامع الأزهر

رمسيس الثانى ليس فرعون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا