رؤية وابداع

“قفزة مريبة”

“قفزة مريبة”

بقلم هدير مجدي

ماذا لو كنت نسرا ؟!

لا تستقر الدنيا لأحد، نقع لننهض من جديد، وهكذا دواليك على مدار حياتنا، ولكن البعض يقع دون النهوض مرة أخرى، الكثيرون سيمرون بهذه اللحظات البائسة، لكن يختلف الإدراك والتعلم بالنسبة لكل شخص.

لحظة تحول مؤلمة للغاية تعطينا الكثير من القيم، تجعلنا ننظر بعين أخرى للأمور، وتدفع من يعيشها للتقرب إلى الله، فهي لحظة تحول من القوة للضعف، ومن الاعتماد على النفس للاعتماد على الغير، وتعيدنا لمنحنى طفولتنا، ونحن نقفز للخارج، ولكنها بالعكس تجعل البعض يقفز للداخل، فرغما عنه وعن الجميع تنتج هذه اللحظات لا قدر الله عن حادث أو مرض أو نتيجة لكبر السن، تتعدد الأسباب ولكن النتيجة واحدة وهي الضعف الجسدي.

ماذا لو مُنح الإنسان فرصة لكي يعود إلى شبابه مجددا، ولكن بشرط أن ينزع بيديه جلده الذي أصبح يبدو عليه علامات التقدم في السن، ويغير العظام الذي أصابه الفتور؟ هل يوجد من يُمنح هذه الفرصة حقا؟ نعم النسر يمنح هذه الفرصة بالفعل، ففي عمر الأربعين، يحدث شيء أكثر غرابة للنسر، وعليه اتخاذ قرار حاسم بشأن حياته، يثقل ريشه، ويضعف منقاره، فيصبح غير قادر على التهام فريسته، ولا يستطيع الطيران، يفقد كل شيء، فكل ما يميزه، لم يعد موجودا، وعليه أن يفاضل بين بقائه كما هو حتى يأتيه الموت أو أن يقرر الانتحار بدلا من ذلك أو يتخذ القرار الأكثر ألما وصعوبة، وهو أن يطير إلى عشه على قمة عالية يتخذها مسكنه، بعد أن يضرب منقاره بصخرة قوية حتى يكسره، ويبدأ بنتف ريشه حتى لايستطيع الطيران، عملية في غاية القسوة والألم تجعله يضاعف عمره، ويعيش حياته في منتهى القوة، فبعد مائة وخمسين يوما من كسر منقاره، ونتف ريشه، ينمو له ريش جديد، ومنقار قوي جديد ليعود النسر إلى حياته اليومية بشكل طبيعي، ويعيش بعد ذلك بمعدل ثلاثين عاما أخرى.

كم مؤلما أن تعتمد على غيرك كليا بعدما كان اعتمادك على ذاتك، ولكن خيرا في جميع الأحوال، جميل النسر في الإرادة، وتحديه لظروفه، وفي اتخاذ قفزة مريبة من أجل البقاء أكثر وبصحة أفضل.

نريد امتلاك إرادة كهذه، كبار السن يحتاجون إلى الشعور بهم، والرأفة بحالهم، وأن نلتمس لهم أعذارا دون عذر، لا يخلو حياة أحدنا دون وجود ذلك الشخص الذي جاوز من العمر أشده أو ربما نكون نحن ذلك الآن أو بعد ذلك.

فلو سنحت هذه الفرصة لنا ماذا سيكون الوضع؟ هل سنمتلك الإرادة الحديدية والعزيمة القوية لنتخذ ذلك القرار أم نريد أن نعود كالسابق دون أي مجهود ؟ ليس مهما أن تعلم كيف سيكون الحال حينها، الأهم أن نكون موقنين أن الله لا يريد بنا سوءا مطلقا.

النسر نهايته الموت ونحن كذلك، بالرغم أنه يُمنح فرصة لعودته لكامل قوته كالسابق، ولكن النهاية واحدة رغم كون هذه الفرصة مغرية لكن لا تجعل الاستسلام صديقك في أي فترة انكسار حتى وإن كانت المرحلة الأخيرة قاوم من الآن لتعتاد المقاومة والنهوض في كل مرة وإبهار الآخرين، لن نحصل على منحة النسر لكن نستطيع أن نحقق أعظم بما نملكه وبما نحصل عليه من منح الخالق الوهاب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا