رؤية وابداع

عذرا علينا النزول

عذرا علينا النزول

بقلم هدير مجدي

نتخذ القررات غالبا بناءً على ما خططنا له أو ما يتوافق مع أفكارنا بعضها خطأ، وبعضها على صواب، ويتفاوت إدراكنا لذلك، فأحيانا نكون موقنين بصحة ما ننوي فعله، وهو في حقيقة الأمر أقرب إلى الخطأ منه إلى الصواب.

لو قابلت شخصا ما في أي وسيلة من وسائل المواصلات، وليكن القطار على سبيل المثال، وقضيت معه وقتا طويلا، وتعلقت به جدا، أصبحتما كالأصدقاء حقا، تشاركتما الطعام والأحاديث والمزاح، ولكن أنت تعلم أن محطتك قبل محطته، وأن عليك توديعه بعد وقت ليس بكثير، وها هو الوقت قد مضى سريعا، وقد حان وصول القطار إلى محطتك، ويدور بعقلك الكثير والكثير من الاستفهامات، هل علي النزول في المحطة المقبلة أم سيعتبر ذلك أنانية مني إن تركته بعدما تعلق بي كل هذا الحد! هل علي حقا أن أنتظر محطته، وأن أنزل معه، وأتنازل عن طريقي الذي أتيت من أجله، وإن فعلت ذلك وطلبت منه أن يتنازل هو عن محطته، سيأتي آخر محطة وهنا لابد من الهبوط، وأن نودع كل منا الآخر، في أرض الواقع إن حدث وغيرت محطتك لترضي من تعلقت به، فسيعد الكثيرون إن أخبرتهم بذلك جنونا أو نبلا فاق الحدود .

تتعدد المحطات في حياة كل منا، وفي كل محطة منها نتقابل مع أشخاص جدد، ونفارق أشخاص اعتدنا عليهم، أحيانا نحن من نقرر النزول في المحطة التالية من أجل مصلحتنا، نقرر النزول على الرغم من تعلقنا ببعض المسافرين معنا، نظل نفاضل بين أن ننزل المحطة القادمة أو نكمل في طريقنا، في بعض الأحيان يعتقد البعض نزولنا الأنانية بعينيها، ولكن إن لم تقرر أنت النزول سيأتي محطة من تعلقت به، فهل تعتقد أنه سيفعل ما فعلت ويتنازل عن طريقه من أجل تعلقه بك؟ نعم من الممكن ولكنه لا يحدث إلا نادرا على أرض الواقع، وستكون تضحية منه يريد مثلها تضحية أيضا .

الفراق أصعب ما يكون، ولكن أحيانا نختاره إما أنانية من أجل مصلحتنا أو خوفا من أن يفرض علينا من القدر أو من الأشخاص أنفسهم أو راحة كما يعتقد البعض بعيدا عن صخب بعض البشر، وأحيانا يفرض علينا وما نحن بمختاريه، يفرضه علينا القدر، فقد تحين المحطة الأخيرة التي علينا الهبوط فيها، والتي لا مفر من النزول حينها، ولا فرصة للاختيار أو اتخاذ قرار، هذه المحطة التي لايحق لأي شخص لوم أحد لأنه قرر الهبوط فيها .

أشد أنواع الألم هو ألم الفراق، وللأسف معظمنا إن لم يكن كلنا قد ذاق طعمه اللاذع، سواء كان عن طريق موت أحدهم أو سفر الآخرين أو هجرتهم أو لأي سبب كان، تتراوح حدة الألم بتراوح قرب الشخص من قلبك، أصبح الفراق سنة الحياة نتقابل كي نتفارق، وسنسمع كثيرا “عذرا علينا النزول” حتى يحين دورنا لقولها أيضا سواء أكان خيارا أو إجبارا في آخر محطة، فتقبل ذلك في هدوء ياعزيزي .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا