رؤية وابداع

ساعة صفا

أميرة ياسر

مع بداية نسمات الفجر التي تتسم بالهدوء التام والهواء النقي، عندما يختلط ظلام الليل مع ضوء النهار ويفصل بينهما خيط رفيع فلا تدري كيف تلاشى الظلام وبدأ النور يظهر شيئًا فشيئًا  مع تغريد صوت العصافير على أغصان الأشجار وتفتح الأزهار وتبدأ الشمس تظهر في السماء بشعاعها الساطع الذي يجعل السماء وكأنها لوحة فنية تشعرك بالدفء والسكينة، مع القليل من القهوة بجانب شرفة الغرفة التي تطل على هذا المظهر الخلاب الذي يشعرك من الداخل بأنك جزء من الطبيعة نفسها، فتنظر وتتأمل وتتدبر هذا الجمال من حولك، وتتسائل: كيف لهذا الجمال أن يصنع نفسه أو أن يكون من العدم؟ فإنه لابد وأن يكون له خالق، وهذا الخالق قادر وجميل؛ لأن هذا الجمال لا يكون إلا من جميل، وأن هذا الخالق عظيم ليس كمثل هذه الأشياء بل هو أعظم منها، ويقع اليقين في قلبك بأن هناك أشياء أخرى تخفى عليك هي أعظم مما تراه عينك في هذه اللحظة، وهنا يبدأ العقل في رحلة البحث عن هذا الخالق العظيم والمعرفة به، ولكن للحظة أبعد هذا الفكر عن عقلي وأحاول العودة إلى واقعي، فأقوم بتجهيز نفسي للخروج إلى الصيد البحري، بينما أنا في الطريق تراودني كل هذه التساؤلات: هل هذا الكون حقًا له خالق ؟ وإذا كان هذا حقًا فلماذا لا نراه ؟ وكيف أشعر وكأنني جزء من الطبيعة نفسها ؟ إلى أن أرى أنني وصلت إلى وجهتي على الشاطئ، فأنظر إلى البحر وكيف هو بكل هذه العظمة، وكل هذا العمق، ويوجد بهِ كل أنواع المخلوقات العجيبة منها ما نعلمه ومنها مالا نعلمه، لا يظل يظهر كل يوم أشياء جديدة، أنظر إلى أن كل شيء له وظيفته التي خلق من أجلها، فكيف لا أعلم ما الذي خلقت أنا لأجله؟ فأنا موقنة حق اليقين بأني عندما أموت سوف أترك كل شيء خلفي، لا أدري حتى ماذا ينتظرني بعد الموت، هل هناك حياة أخرى حقًا كما يقول البعض؟ أم أن ليس لنا إلا هذه الحياة، هذا الأمر ليس بالأمر الذي يستهان به بل يجب أن أتحدث إلى أحد يجيبني على كل هذه التساؤلات، ولكن من؟ لا يجب عليَّ أن أسأل أي شخص، يجب أن يكون هذا الشخص له قوة في العلم، ولديه تراث أصلي متمسك به، وعنده عقيدة سليمة، وهذا كله لا يظهر في شخص إلا من خلال أسلوبه في التعامل، يجب عليَّ أن أبحث وأترقب بين كل من حولي؛ لأجد شخص يوجد به تلك المواصفات حتى يوجهني إلى وجهة حقيقية ترضي هذا العقل وتريح هذا القلب وتكون هي الوجهه الصحيحة.

وبعد فترة من البحث أخيرًا وجدت شخص يوجد به هذه الصفات، ولكن كان من الصعب أن أجده فقد وصلت إليه بعد عناء كبير، وبعد القليل من الكلام قال لي: «إذا أنت من خلال عقلك قد توصلت إلى أن هناك خالق لهذا الكون»، لا أعلم ما الذي حدث بقلبي حينما قال لي هذا، ولكن هذا حقًا ما حدث، ولكنني كنت أتجاهل هذا ولكن بعد مصارحته لي بهذا أيقنت هذا بقلبي وعقلي؛ أنني حقا توصلت إلى وجود خالق لهذا الكون، فبات الكلام بيننا عن معرفة هذا الخالق، وأين هو، وكيف أشعر بأنني جزء من الطبيعة، وكل هذه التساؤلات التي تحدثت عنها من قبل، ومن هنا قام هوا بطرح بعض الأسئلة عليَّ، ولكن في بادئ الأمر قال لي: بما أننا هنا على الشاطئ هل تستطيع أن تبني لي بيتًا من الرمال ؟

هنا قلت له: وما علاقة هذا بذاك؟ انا أسألك اينغ هو الخالق وأنت تقول لي هل تستطيع أن تبني لي بيتًا من الرمال ؟!

قال لي: نعم.

وبعدها نكمل حديثنا فلدينا الكثير من الوقت، فلنصنع هذا البيت ونحن نتحدث، قلت: حسنًا لا بأس، ولكني من الداخل كنت أشعر بالغرابة بعد الذي حدث، ولكن بدأت بالفعل في بناية بيت من الرمال الي أن انتهيت من بنائه بشكل جيد ، ثم نظرت إليه ووجدته ينظر إلي وهو يبتسم فسألته: على أي شيء تبتسم؟

فقال الآن: هل تستطيع أن تعيش في هذا البيت الذي خلقته الآن بالرمال ؟

قلت له: هل تهذأ بي ؟

فقال: كلا ، أنا أسألك حقًا هل تستطيع أن تدخل هذا البيت الذي خلقته الآن بيدك وأن تعيش فيه ؟

فقلت له: بالطبع لا ، هذا مستحيل الا تري كم حجمي وكم حجم هذا البيت ؟

فقال: هكذا أنت جاوبت على نفسك الآن.

فقلت: كيف ؟

قال: ولله المثل الأعلى، وعندما قال هذه الكلمة شعرت بأن شيء لامس قلبي حينها.

فقال: هكذا الله، وبدأ بالتبسم إلي، والحديث بشكل لطيف معي، وقال: أنت تعلم حقًا أننا جزء من مجموعة من المجرات، فنحن داخل مجرة واحدة، ولكن هل يمكننا أن ننكر بقيت الكواكب والمجرات؟

فقلت له: لا.

فقال: الله كما خلق هذا الكوكب خلق كل هذه الكواكب أيضًا، فلا يجوز أن يكون الله داخل هذه المخلوقات؛ لأنك استنتجت هذا أيضًا بنفسك؛ أن هذا الإله الذي تتحدث عنه عظيم وقادر، فهو بالفعل أعظم من كل هذه المخلوقات التي خلقها من البحار والجبال والصخور، وإلى كل هذه المخلوقات.

فهنا أيقنت انه حقًا لا يجوز أن نري هذا الإله في هذا المكان؛ لأنه إن كان ضمن هذا الكون فإنه لا يكون أعظم منه بل لكان مثل هذه الأشياء في القدرة والعظمة، ولكن كونه خالق هذه المخلوقات فلا يجوز أن يكون ضمنها، فهو فوقها لأنه أعظم منها، وكما أنه قادر على خلقها ف أيضا قادر على إهلاكها، ومن ثم نظرت إليه وقلت له: حسنا الآن علمت الحكمة من أننا لا نراه، ولكن كيف أشعر بأنني جزء من هذا العالم؟ وكيف أصل أيضًا إلى هذا الإله؟ هل يمكنني التواصل معه ومعرفته أم لا ؟

فقال لي: أنت آمنت بوجود إله والآن أيقنت لماذا لا تستطيع أن تراه، أما عن شعورك بأنك جزء من الطبيعة فنحن كلنا كذلك، وذلك لأننا مخلوقون ايضًا من طين فنحن البشر ننتمي لأصل واحد وهو نبي الله آدم -عليه السلام-، فهو أبو البشرية قد خلقه الله تعالى من طين وصوره على هيئته البشرية، ومن ثم نفخ الله تعالى فيه من روحه سبحانه، فأصبح نبي الله آدم يتكون من شيئين جسد وروح؛ الجسد الذي هو من طين، والروح التي تكون من روح الله تعالى، فكل منا يشعر بالسكينة عندما يتأمل في الطبيعة ويشعر أنه جزء منها، وعندما يتأمل في السماء يشعر بالأمان والراحة اللا متناهية؛ وذلك لأن روحه الذي تكمن داخل جسده موطنها السماء، وهذا يأخذنا إلى أن هناك حياة أبدية تنتظرنا بعد الموت، نعم هو كذلك، وكل هذا يحتاج إلى تفصيل أكثر وتوضيح أدق من هذا،والآن عليك ألا تتوقف عن ساعة الصفاء تلك التي تقوم بها، فكل إنسان منا يحتاج إلى مثل هذه اللحظات التي يهيئ نفسه فيها من جديد ويجدد طاقته، الكثير منا وجد بغيته الحقيقية في ساعته هذه، وكثير وصلوا إلى ما يريدونه من خلال التفكير الصحيح في هذا الوقت وفي هذه الساعة، مهما كان لدينا من ضغوطات وتحديات لا يجب أن ننسى هذه الساعة التي تصفو فيها الروح وتتدبر في مخلوقات مولاها وتعلم أن كل شيء يمكنه الحدوث، فقط علينا معرفة من أين نبدأ ومتي نقف.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا