رؤية وابداع

قراءة في نص( قبيل نهاية الطريق) للناقد الأديب : محمد البنا بقلم : امل منشاوي

أمل منشاوي

متكئًا على عكازي المجدول من خيوط أملٍ وآه، وأنين احتكاك عجلات القطار بقضبانه الحديدية يتلاشى، وعيوني شاخصةٌ إلى ظلامٍ مقيم في الاتجاه الآخر، تناهى إلى سمعي هميسٌ خفي دامع ” حكت لي جدتي عنك…”

أصخت السمع أتبين مصدره، أخرستني عيونه الرمادية، وآثار أقدام راحلين كحلته ببقايا عوالقها، امتص دهشتي واستطرد بنبرةٍ لا تخلو من رثاء ” يا هذا..ألا تمل؟ ”

محمد البنا..القاهرة في ١٤ يونيه ٢٠٢٢

 

القراءة ….

بداية أود أن أشكر أديبنا الرائع على هذه النصوص التي طالما أمتعنا بها وأجبر عقولنا أن تعمل للوصول إلى ما تحمله من رسائل بين سطورها.

بين أيدينا اليوم نص شجي ومحزن، وهو قريب إلى رثاء الروح، وكم من الأدباء السابقين رثوا انفسهم قبل أن يرثيهم الآخرون، ويدل ذلك على حالة من الحزن سيطرت على الكاتب قبيل كتابة نصه لأسباب لا يعلمها إلا الله وصاحب النص.

يضع كاتبنا عنوانًا كاشفًا لفحوى النص، وما اعتدنا من أستاذنا البنا على هذه المكاشفة الصريحة في نصوصه، ولعله بذلك أراد أن يودعنا بنص صريح واضح يصف فيه حالته الشعورية في اللحظة التي كتب فيها النص، استخدم الأستاذ البنا ضمير المتكلم للتعبير عما يجيش في نفسه، وفي هذا اختيار موفق تماما، فالإنسان هو الأقدر على وصف حاله من غيره، فهو يتكلم من داخله بعكس راوي العليم والذي يصف ما تراه عينه. عنون أستاذنا نصه بجملة ” قبيل نهاية الطريق” فلكل طريق بداية ونهاية، قد يقصد كاتبنا بالطريق هنا الحياة عمومًا أو رحلته مع الأدب أو قصة حب أو..أو..أو..

فالصحوة غالبًا والاستفاقة لا تأتي إلا قبيل النهاية، قد يسبقها إرهاصات يتأرجح فيها العقل بين تصديق وتكذيب ولكن عندما يقترب من النهاية تتضح الرؤية وتكون الصحوة لا بديل عنها.

يقول الكاتب ( متكئًا على عكازي المجدول من أمل وآه) الاتكاء يدل على الضعف والعجز، وتتعدد أسباب ذلك الضعف، فقد يكون ضعف المشيب وقد يكون ضعف فقدان الشغف، وقد يكون ضعف قلة الحيلة ونفاد الصبر، والعكاز هو ذلك السند أو الذريعة التي كانت تعضد من استمراريته في ذلك الطريق ولكن الكاتب يفاجئنا أن هذا العكاز مصنوع من أمل واه لا وجود له فنستبين من ذلك حالة من الندم على عمر أو وقت ضيعه في السير في طريق خاطئ لم يجن منه سوى الضعف وقلة الحيلة والندم.

يستخدم الكاتب عبارات تجز حشاش القلب جزًا،فنراه يقول ( وأنين احتكاك عجلات القطار بقضبانه الحديدية يتلاشى) كلمة أنين تحمل من الحزن ما لا تقوى القلوب على احتماله، فيعبر بذلك على عظم ما تحمله من ألم وحزن وكبد في هذا الطريق الذي سارت فيه خطواته رغمًاعنه، لكن مع نهاية الطريق بدأ هذا الأنين يتلاشى ربما لتعافي أو ربما لعدم اكتراث أو ربما للتركيز الشديد في ذلك المجهول الذي ينتظر في نهاية الطريق والذي عبر عنه الكاتب بجملة ( ظلام مقيم في الجانب الآخر)، وهو مجهول يحمل دلالات عدة، فد يكون القبر، وقد يكون نفق يقود إلى طريق جديد ربما يحمل بين جنباته سعادة مفتقدة. ووسط هذا الحزن والصمت المتناهي والتركيز في نهاية غير معلومة يتناهى إلى سمعه هميس من مكان غير معلوم ربما يكون من رفيق لم يشعر بوجوده إلا في النهاية وربما هو نابع من داخله، يخبره ذلك الصوت الدامع أن جدته حكت له عنه، لنتساءل من هو صاحب هذا الصوت، أهو صوت حفيد لم يلتقيه فجاءة في العالم الآخر ليخبره انه ما زال مذكورا بين أحبائه، أم انه صوت نابع من داخله يخبره أنه تكرار لحكاية قديمة ربما تكون لجده أو لأبيه! صاحب هذا الصوت ذو عيون رمادية، أي صورة وسط بين الوضوح والقتامة وفيه دلالة على عدم ثبوت الرؤية تماما وبها يعيدنا الكاتب إلى العنوان هل هي نهاية الطريق حقًا أم أنه أراد أن يعيد إلينا الأمل من جديد فيقول أن الأمر قد التبس عليه وقد يكون هناك امتداد آخر، ورغم ما تحمله الجملة الأخير من رثاء ” يا هذا … ألا تمل؟! فكأني به يجيب على الفور بعناد معهود ومثابرة ” بلى … أنا لا أملّ!!!

تحياتي لأديبنا الكبير الذي لا يمل مهما قابله من تحديات.

#أمل ١٨ يونيو ٢٠٢٢

إقرأ أيضاً:

سِت بمَّيه

هجاء يوم الرحيل

 للعابرين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا