رؤية وابداع

ورد

قلم/ أسيل السعدني

ربما طرحت ذلك السؤال مئات المرات هذا الأسبوع ، لسائق التاكسي ، لصاحب متجر الألعاب أمام البناية التي تقطن بها منذ ما يقارب ثلاثة أسابيع ، ربما لأشخاص وددت من أعماق قلبك أن يجمعك بهم موقف ، موقف واحد فقط كافي ان يميّزك احدهم به ، فقط لتدرك ماهيتك ، ربما اسمك ، من أنت ؟ تقف أمام زجاج البناية والتي انعكست صورتك عليه لتبدو لك مموهة كأفكارك حينها ، هل تتذكرني ؟ تعيد طرح ذلك السؤال مرة أخرى لنفسك ، تلك العينان بلون البحر ، لم تستطع تمييز أمواجهما قط ، وكأن هنالك ما يمنعك من الاقتراب لجذور روحك ، هل اختلفت نظرتك لنفسك ؟ بعدما تعرضت لحادث جعلك تفقد ذاكرتك ؟ أنت كما أنت ، لم تغيّرك الأيام إذاً ، بنفس هيئتك المتوسطة ، شاب في اواخر العقد الثاني تقريباً ، ربما كان اسمك فهد ، لؤي او حتى نسراً ، لا تعرف ولم تكترث كثيراً لتلك المعلومة في ظل ما تحويه حياتك الآن ، وأي حياة تلك ؟ مجهول وليس بحوزتك أية أوراق تثبت هويتك ، ماذا الآن ؟ تجلس على مقعد قريب ، لا تدر أعتدته أم اعتادك هو ، تنظر للمارة ، تتأملهم ..

يقولون أن في حياة كل منّا لحظة لا تعود بعدها الحياة كما كانت ، أعرف جيداً ذلك الشعور ، كأنك تقف على حافة جُرف لا تقو على الحركة ، إن تقدمت خطوة للأمام فستلقَ هلاكك وإن تراجعت أخرى فسيلتهمك الندم .

لا تمتلك أية ذكريات سوى تلك الفتاة ، فتاة ترتدي قميصاً أزرق ذو ياقة هادئة ، وتنورة بيضاء اللون ، بيدها تلك الورود الحمراء ، خصلات شعرها الأسود وتلك الطريقة التي تصففه بها ، تفاصيل تحفظها عن ظهر قلب ، لطالما راودتك في أحلامك ، تارة تهرول تجاهك ، تارة تركض أنت إليها ، لا تدر هدفك الحقيقي من اللحاق بها ولكنها الذكرى الوحيدة لعقلك الخفيّ ، رأيتها مرة تبكي أثر شوكة من باقة الورد التي تحملها تلك ، لكنك لم تستطع أن تعالج يدها ، سرعان ما اقتربت منها حتى تلاشى حلمك واستفقت على جرس الساعة جوار سريرك ، خُيل لك أنها أطلقت عليك اسماً ، لم تتذكره ولكنك لم تنس ذلك الصوت ، صوتها الهادئ ، ذو النبرة التي تجعلك تهيم بها وبذلك الصوت الناعم ، تبتسم لك ولكنك لا تستطيع أن تميّز ملامح وجهها ، رغم ذلك القُرب منها ولكنك لم تستطع أن تحتفظ برائحتها حتى .

 

هل هذا ما يفعله بنا الوهم ؟ يضخم لنا مخاوفنا لتبدو لنا كجبل شاهق بينما هي في الحقيقة مجرد ذرات رمال تذورها الرياح ، رياح الزمان التي لا تُبقي شيئاً على حاله .

تظل تلك الحركة التي آنستها في الآونة الأخيرة ، صوت السيارات أمامك في الشارع الرئيسي ، بائع الحلوى وضحكات الأطفال ، مازال المقعد جوارك شاغراً ، وحيد ولكنك تأقلمت مع وحدتك تلك ، حتى آنست ، لم تتوقع أبداً حدوث ذلك ، فتاة ترتدي قميصاً أزرق ذو ياقة هادئة ، وتنورة بيضاء اللون ، بيدها تلك الورود الحمراوات ، خصلات شعرها الأسود وتلك الطريقة التي تصففه بها ، تفاصيل تحفظها عن ظهر قلب ، تكاد تجزم أنك اختلقت وجودها من خيالك ، لكنك تراها بأم عينيك ، وذلك الدليل القاطع أنها جوارك ، تحرك عينيها البندقيتين ، ثم يأتيك صوتها الذي لطالما أحببته : ورد ، هل تتذّكرني؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا