مقالاتالتاريخ والآثار

بعثة المأمون و كنز الأهرامات

بقلم : عبدالعزيز مصطفي 

 

 

بعثة المأمون في مصر 

و في ذلك الشأن يروي المؤرخ المملوكي تقي الدين المقريزى فى كتابه المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزية: ” أنه لما قدم الخليفة المأمون إلى مصر وأتي على الأهرام أحب أن يهدم أحدها ليعلم ما فيها فقيل له أنك لن تقدر على ذلك، فقال لابد من فتح شىء، واستعان بعدد من الحدادين وانفق أموالا عظيمة ” .. فوجدوا عرض الحائط قريبا من عشرين ذراعًا فلما أنتهوا إلى آخر الحائط ، ويقال بأنهم جدوا خلف الثقب مطهرة خضراء فيها ذهب مضروب وزن كل دينار أرقية وكان عددها ألف دينار، فجعل المأمون يتعجب من ذلك الذهب ومن جودته ثم أمر بجملة ما انفق على الثملة – أى الثقب – فوجد الذهب الذى أصابوه لا يزيد على ما انفقوه ولا ينقص فعجب وأمر بحملها على إلى خزانته في بغداد و لم يقال بأن المأمون قد اعاد تكرارها مره اخري مع بقية الاهرامات في عدم تواجده لكن قليلون من صدقوا ذلك لجهد الخارق المطلوب لثقب الاهرام …

 

إكتشاف المومياوات و الذهب

و هنا يشير المقريزي مره اخري فى كتابة و خططته إلى أن المأمون بعد فتحه ثقب بالهرم والدخول إلى اعماقه قريبًا من 20 ذرعًا وصف أنه دخل ورأى بنفسه قبة مربعة الأسفل مدورة الاعلي فى وسطها بئر عمقها عشرة اذرع وهى مربعة ينزل الانسان فيها فيجد فى كل وجه من تربيع البئر بابا يفضى إلى دار كبيرة فيها موتي من بني ادم عليه السلام لقدم اصحاب القبر و اكفانا كثيرة أكثر من مئة ثوب على كل واحد قد بليت بطول الزمان واسودت، اما عن المومياوات فيقول واجسامهم مثلنا ليسوا طوالا ولم يسقط من اجسامهم ولا من شعورهم شىء وليس فيهم شيخ ولا من شعرة ابيض واجسادهم قوية لا يقدر الانسان أن يزيل عضوا من اعضائهم البتة. ويلفت المقريزى إلى دخول رجال المأمون إلى بابا أفضى إلى علو الهرم وليس به درج عرضة نحو خمسة اشبار عثروا فيها على صورة أدمى من حجر أخضر ولما فتحت وجدوا فيها جسم أدمى عليه درع من ذهب مزين بأنواع الجواهر وعلي صدره نصل سيف وعند رأسه حجر ياقوت أحمر كبيضة الدجاجة يضىء كلهب النار فأخذه المأمون ، و ذلك المكان كان المقصود به قبر الملك خوفو نفسه …

 

قياس الهرم

كما قام الخليفة المأمون أيضا بقياس الهرم، حيث أمر من صعد الهرم الكبير أن يدلي حبلا فكان طولة ألف ذراع بالذراع الملكي وهو ذراع وخمسان وتربيعة أربعمائة ذراع فى مثلها، وكان صعودة فى ثلاث ساعات من النهار وأنه وجد مقدار رأس الهرم قدر مبرك ثمانية جمال، ويقال إنه وجد على المقبور فى الهرم حله قد بليت ولم يبق منها سوى سلوكها من الدهب وأنّ ثخانة الطلاء الذى عليه قدر شبر ..

ولم يقتصر شغف العرب للاهرامات على فئة الخلافاء والسلاطين فقط فقد كان أيضًا مثار إعجاب الشعراء وفي مديحه قال سيف الدين بن جبارة: “لله أى عجيبه وغريبة/ فى صنعة الأهرام للألباب/ أخفت عن الأسماع قصة أهلها / ونضت عن الإبداع كل نقاب / فكأنما هى كالخيام مقامة / من غيرما عمد ولا أطناب و توالت ردود فعل متباينة حول الاهرامات المصريه على مر العصور القديمة و الحديثة و الي يومنا و قد كتب عنه الحكم بن أبى الصلت و قال :

بعيشك هل أبصرت أعجب منظرا .. على طول ما ما ابصرت من هرمي مصر “.

تقي الدين المقريزى
بعثة المأمون و كنز الأهرامات

بعثة المأمون لقياس الأرض 

وقد أبدى المأمون اهتمامه بجمع تراث الحضارات القديمة وخاصة الحضارة اليونانية، أرسل بعثات من العلماء إلى القسطنطينية وقبرص للبحث عن نفائس الكتب اليونانية ونقلها إلى بيت الحكمة في بغداد، كان بيت الحكمة معهد علمي يضم مكتبة لنسخ الكتب ودارًا لترجمتها للعربية، وكان له مدير ومساعدون ومترجمون ومجلدون للكتب، وبحسب ما ذكر ابن النديم في كتاب الفهرست؛ فقد بلغ من شغف المأمون بالثقافة الإغريقية أن أرسطو ظهر له في المنام مؤكدًا له أنه لا يوجد تعارض بين العقل والدين ، كذلك شجع المأمون المناظرات الكلامية والبحث العقلي في المسائل الدينية كوسيلة لنشر العلم وإزالة الخلاف بين العلماء، مما أدى إلى قوة نفوذ العلماء في الدولة وكان من أشهرهم أبو عثمان الجاحظ الكاتب المعروف ..

أصدر المأمون برنامجًا منهجيًا للدراسات الفلكية في أول المراصد الفلكية التخصصية المقامة ببغداد ودمشق، وأرسل أول بعثة موسعة مكرسة لإجراء التجارب العلمية، وكشفت هذه المساعي عن طريقة العلماء العرب في فهم المتون الكلاسيكية واستيعابها لا كغاية بحد ذاتها، بل كنقطة انطلاق لإجراء أبحاثهم ودراساتهم الخاصة وكانت هذه المشروعات بداية السيرة المهنية لبعض من أهم العلماء والمفكرين الأوائل في الإسلام…

أظهر المأمون فضولًا صحيًا لمعرفة العالم من حوله وميلًا إلى البحث والمنهج العلمي؛ فخلال زيارة له إلى مصر سنة 832 م حاول تعلم الهيروغليفية القديمة لكنه تمكن من دخول هرم الجيزة الأكبر ليجد القبر الملكي فارغًا قد نهبه اللصوص. وقد اهتم المأمون اهتمامًا عميقًا لعمل العلماء ببيت الحكمة؛ فكان يتردد إليه بانتظام للتباحث مباشرة مع الخبراء والمستشارين في آخر ما انتهت إليه البحوث وفي مسائل التمويل وسوى ذلك من مسائل ذات صلة، وشدد على الاستزادة من دراسة الرياضيات وعلم الفلك من عم …

تقي الدين المقريزى
بعثة المأمون و كنز الأهرامات

 

بعثة المأمون في قياس محيط الأرض عدل

محمد بن موسى الخوارزمي وضع نسخة مختصرة عن زيج السند هند بطلب من المأمون والذي بقي يستخدم قرونا في العالم الإسلامي وأوروبا و بالرغم من كتيبة العلماء الكبار الذين كانوا تحت تصرف المأمون، لم يكن يحصل الخليفة دومًا على الأجوبة التي يريدها، ويروي حبش الحاسب أحد أرفع علماء الفلك لدى الخليفة عنه أنه “عندئذ سأل التراجمة عن معنى كلمة (Stades) وهي وحدات طول يونانية، أعطوه ترجمات مختلفة”. ولما أعيت خبراؤه الإجابة، و قد قرر المأمون إيجاد طول الدرجة الواحدة من الدائرة الكبرى للأرض بالقياس واضعًا خطة مفصلة لتجربة علمية لحل المعضلة، ففي توسعة لتجربة الرياضي اليوناني القديم اراتوسينس أرسل المأمون فريقين من علماء الفلك والمساحين وصانعي الآلات إلى سهل سنجار الصحراوي، بالقرب من الموصل حيث أخذوا القراءات لارتفاع الشمس قبل أن ينقسموا فريقين، فريق اتجه إلى صوب الشمال وفريق آخر صوب الجنوب الأصلي ومع تحركهم كانوا يسجلون بدقة ما قطعوا من مسافة واضعين في الأرض علامات خاصة على الدرب، وعندما كانت مجموعة ثانية من القراءات الشمسية تشير أنهم قطعوا درجة على دائرة خط الطول يتوقفون ويعودون أدراجهم للتثبت من المسافة التي قطعوها، ثم تحلل المجموعتان المستقلتان النتائج وتقارن الواحدة بالأخرى لتعطيا رقمًا نهائيًا دقيقًا إلى حد لافت. كان حساب بحّاثة المأمون قريبا جدًا مما يعرف اليوم …

 

الرياضيات وعلم الفلك العربي

عندما كان يحصل خطأ ما، كان المأمون يسارع إلى التدخل وقد استغل ذات مرة زيارة له إلى دمشق، زمن الحرب لقيادة بعثة لتقصي الحقائق بعدما تبين له أن نتائج المحاولات الأولى لتتبع منازل الشمس والقمر في السماء من مرصد بغداد لم تكن دقيقة، طلب الخليفة من مستشاريه إيجاد فلكي مؤهل لتحسين نتائج بغداد، يقول حبش الحاسب: “أمره المأمون بتجهيز أصح ما يمكن من آلات ومراقبة الأجرام السماوية طوال العام” ثم جمعت الحصيلة الضخمة للقياسات الفلكية ورتبت بأمر من المأمون ونشرت لمن يرغب في تعلم ذلك العلم …

من أهم علماء الفلك الذين عاصروا المأمون هو محمد بن موسى الخوارزمي الذي وضع سنة 825 نسخة مختصرة من عمل السند هند بطلب من المأمون وجداول شهيرة للنجوم عرفت بزيج السند هند ظلت تستخدم قرونًا في العالم الإسلامي ثم في أوروربا المسيحية، ساعد نجاح وانتشار زيج الخوارزمي على تكريس جداول النجوم كعنصر أساس من الترسانة العلمية الإسلامية، يشهد بذلك شيوع استخدامه وطول بقائه الملفت و الكبير ،

وقد وضع أكثر من 225 جدولًا من هذا النوع في العالم الإسلامي في ما بين القرنين الثامن والتاسع. كان هذا الزيج الدقيق يزود مستخدمه بكل ما يحتاج إليه من أدوات لتحديد منازل الشمس والقمر والكواكب المرئية الخمسة، وتعيين الوقت من النهار أو الليل استنادًا إلى الأرصاد النجمية أو الشمسية، وكانت مفيدة خاصة لضبط أوقات الصلوات الخمس في الإسلام، وتحري الهلال لتحديد بداية الشهر القمري عند المسلمين، كما كان في الإمكان استخدام الزيج مع بعض الآلات الفلكية غالبًا لحل المسائل المعقدة في الهندسة الكروية وتعيين الوقت كما أهدى الخوارزمي كتاب الجبر والمقابلة إلى المأمون الذي يتناول حلولًا رياضية للقضايا الدينية والعملية، حيث يقول الخوارزمي: «” وقد شجعني ما فضل الله به الامام المأمون على أن ألفت من حساب الجبر والمقابلة كتابا مختصرا حاصرا للطيف الحساب، وجليله لما يلزم الناس من الحاجة اليه موارثهم ووصاياهم وفي مقاسمتهم وأحكامهم وتجاراتهم وفي جميع ما يتعاملون به بينهم من مساحة الأرضين وكري الأنهار والهندسة وغير ذلك من وجوهه وفنونه“» …

تقي الدين المقريزى
بعثة المأمون و كنز الأهرامات

 

تطور علم الجغرافيا 

الاسطرلاب والذي تم اختراعه في عهد المأمون و قد كان المأمون مسؤولًا عن الصالح الديني لمجتمع المسلمين الواسع في إمبراطوريته، لجأ الخليفة إلى علماء بيت الحكمة طلبًا للعون على شؤون الدين والدنيا، طلب من هؤلاء الخبراء تحديد المكان الدقيق لبغداد ومكة لمعرفة القبلة الشرعية الصحيحة، كما أراد الخليفة صورة دقيقة لطول وعرض العالم الذي يحكمه عند فلكيي بيت الحكمة الآخرين، كان كل ذلك يؤول إلى حل مسائل أساسية في الهندسة الكروية، وكانوا قد حذقوا بالاستعانة بالقدماء لتحديد نظام الإحداثيات الجغرافية، أي استخدام خطوط الطول ودوائر العرض التخيلية التي تعطي كل نقطة منها موقعًا فريدًا يمكن تحديده بهذه الدوائر.

وقد طبق العلماء العرب بسهولة الرياضيات الكروية على مسائل الجغرافيا من البداية، وكان هؤلاء العلماء قد تعلموا من بطليموس صاحب كتاب ‘المجسطي’ وكتاب ‘جغرافيا’، كان المسح الجيوديزي الذي أمر بإجرائه المأمون في برية سنجار الصحراوية قد أعطى طول الدرجة الواحدة من محيط الأرض بوحدات قياس عربية، فكان 56 ميلًا، والميل العربي 4000 ذراع والذراع التي وضعها المأمون 120 اصبعًا حسب المسعودي في المروج، بينما قدمت تصحيحات المسلمين لجداول بطليموس التي تحدد الإحداثيات 8000 مدينة ومكان وما أضافوا إليه من بيانات جديدة أكثر دقة للفلكيين والجغرافيين على السواء …

كانت المعلومات والتقنيات التي طورها خبراء المأمون وأمثالهم، تستطيع تحديد القبلة بدقة من خط الطول المحلي للدائرة الكبرى للكرة الأرضية، كانت الجغرافيا التي تعرف القبلة بأنها الخط المستقيم الذي يصل المؤمن بمكة، لكن فلكيي ورياضيي بيت الحكمة علموا أن الشكل الكروي للأرض يعني أن القبلة الفعلية كانت في الحقيقة خطًا مائلًا بزاوية محددة من نقطة الصلاة، لا تزال تعرف اليوم باسم السمت، ويستخدم هذا النظام في الحسابات الجغرافية المعاصرة للمسافة والاتجاه، وبذلك تم وضع أعظم إنجاز للمأمون وهي وضع خريطة للعالم وقد عثر على شاخصات تعود للعصر العباسي تبين المسافة من بغداد حتى فلسطين وجورجيا بالقوقاز، جمع المأمون فريقًا من عشرات العلماء لصنع خريطة للعالم صور فيها العالم بأفلاكه ونجومه وبره وبحره وعامره ومساكن الأمم والمدن، وهي أفضل مما يقدمه بطليموس ومارينوس، جاء في خريطة المأمون ومسحه وصف ل530 مدينة وبلدة مهمة وخمسة أبحر و290 نهرًا و200 جبل ومقدارها وما فيها من معادن وجواهر. كما صحح جغرافيو المأمون تمثيل بطليموس التقليدي للمحيط الهندي كبحر محاط باليابسة وأوضحوا لأول مرة أنه كتلة كروية من الماء تحيط بالعالم المسكون وهو ما فتح الطريق لما يعرف بعصر الاكتشافات الجغرافية بأوروبا …

 

المصادر التاريخية :-

كتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (ل) تقي الدين المقريزي .

كتاب عصر المأمون ل أحمد فريد رفاعي .

 

 

إقرأ أيضاً :-

تاريخ حقوق الإنسان فى مصر وبلاد الرافدين

دعنا نكتشف التاريخ

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا