التاريخ والآثارمقالات

صائم الدهر ( محطم أنف أبو الهول)

بقلم : عبدالعزيز مصطفى

 

يذكر المؤرخ المملوكي ابن تغري بردي في كتابة المنهل الصافى و المستوفى بعد الوافى ، أنه وبعد انقضاء القرن الأول من دولة المماليك ظهر فى الناس تعظيمهم الغريب لتماثيل المتراكمة فى نواحى حصن المماليك العسكرى فى الجيزة (هضبة الأهرام) و قد قدم الكثيرون من العوام لتمثال أبو الهول القرابين و ذبحوا الذبايح كأنه من أولياء الله الموتي و تمسحوا به متباركين لزياده المحصول أو لشفاء من عله قد أصابتهم أو بلاء ما قد أحل بهم ، و كان من بين المتباركين بتمثال أبو الهول الشيخ عبد السلام المنوفى الذي ظن بأن التمثال مبارك و أقنع كل أتباعة بذلك الأمر ، حتى علم المتصوفة الذين كانوا يقطنون في خانقاه سعيد السعداء بالأمر الذي فعله عبدالسلام المنوفي و العوام فأرسلوا الخبر إلى شيخهم وكبيرهم وهو إمام زمانه و رمانه عصره و عاكف زمانه الإمام محمد بن صادق بن محمد التبريزي الشهير بـ صائم الدهر فاستشاط لفعله العوام غضبا فأمهل الناس بالوعظ و لكن القوم لم يكفوا عن فعلتهم فاستفتى من حوله من علماء عصره فأقنعوه و افتوه بأن الأمر لا بد له من فعلآ حازم و قولآ فصل يردع المبتدعة فأعد صائم الدهر نفسه وجمع أتباعه وخطب فيهم بالحق ثم أعدوا أنفسهم و غادروا خنقاتهم قاصدين جوار حصن المماليك و بالاخص تمثال أبو الهول ..

المؤرخ المملوكي ابن تغري بردي
صائم الدهر ( محطم أنف أبو الهول)

تحطيم أبو الهول 

و عن ذكر ذلك اليوم يقول المقريزي ، خرج الإمام محمد بن صادق بن محمد التبريزي في عصبة من أتباعه و يقين من رأيه و معتصما بالمحيطين به من العوام المقنعين برأيه ، فوصل الجيزة فأقام بها وصعد أعلى تمثال ابي الهول و كان وقتها تعلوه الرمال ووقف أمام وجه التمثال فحطمه و شعسه حتى تغيرت ملامحه التى عرفها الناس قبل ذلك اليوم ، وفور قيام محمد صائم الدهر بفعلتة تناقل الناس ما قد قام به وتنوعت ردود أفعالهم حتى ظن المماليك أنهم إن لم ينزلوا به العقاب فربما يجلس على كرسي السلطنة أو يعارضها دون حساب فأرادوا انزال العقاب به و لكن أتباع صائم الدهر كانوا بالمرصاد لهم فخفف العقاب بأن يسجن صائم الدهر ما تبقى حيآ في خانقاه سعيد السعداء حتى فارق الحياة بعدها بفترة قصيرة ..

و قد أيد تلك الرواية تقى الدين المقريزي فى أحد كتبة و يكتب فيه أنه بالقرن الخامس عشر الميلادي ، ينسب فقدان أنف تمثال الجيزة إلى محمد صائم الدهر ، وهو صوفي مسلم من خانقاه سعيد السعداء عام 1378 م، الذي وجد الفلاحين المحليين يقدمون القرابين لأبي الهول على أمل زيادة محصولهم وبالتالي شوه أبو الهول بفعل تحطيم الأيقونات. ووفقًا للمقريزي، اعتقد الكثير من سكان المنطقة أن زيادة الرمال التي تغطي هضبة الجيزة كانت بمثابة انتقام من فعل الظهر في التشهير ..

المؤرخ المملوكي ابن تغري بردي
صائم الدهر ( محطم أنف أبو الهول)

 

يذكر ابن قاضي شهبة اسمه محمد بن صادق بن محمد التبريزي المصري المتوفى عام 1384 م وعزا تدنيس أبي الهول في قناطر الصبا التي بناها السلطان بيبرس له ، وقال ايضا انه ربما دنس أبو الهول العظيم وقد ذكر عبد السلام المنوفى أن الحملة الصليبية الواقعة على مدينة الإسكندرية في عام 1365 كانت عقابًا إلهيًا لكسر أنفه لأحد شيوخ الصوفية في خانقاه سعيد وقد كان عبد السلام المنوفى من المتباركين بتمثال أبو الهول كما ذكرت سابقآ و كان له فى ذلك الأمر رأيآ بأن التمثال مبارك و لكن تلك الرواية لم تدم طويلا بعد وفاة صاحبها ..

لتظل لنا مع الأيام ذكرى الرأى الأخر محطم أبو الهول
صائم الدهر

مصادر المقال ..
– كتاب المنهل الصافي لابن تغري بردي .
– كتاب السلوك لتقي الدين المقريزي .

 

 

إقرأ أيضاً:-

لمحة حضارية فى سطورٍ تاريخية (الجزء الأول)

لمحة حضارية فى سطورٍ تاريخية (الجزء الثانى)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا