المرأة والحياةالأسرة والتربية

التربية التقليدية أم التربية الحديثة

هدى خميس 

 

ما أن يرزق الوالدين بالطفل الأول، حتى تبدأ المشاورات والمناقشة وتبدأ النصائح تنهال عليهم من العائلة والأصدقاء في كيفية تربية هذا المخلوق الضعيف وكيف سوف يتحول إلى حقل تجارب وطبعاً من غير قصد وهذا ما سوف يُكون شخصيته المستقبلية ويحتارُ الوالدين، هل يتبعون ما تعلموه من آبائهم وأجدادهم أم عليهم اتباع الطرق الحديثة المناسبة للعصر، هل ستصبح شخصيته قوية مستقلة ومتزن العقل ويتخذ قراراته بثقة وسرعة بديهة. أم سوف ينشأ شخص مهزوز غير سوي ويعتمد كلياً على والدته ووالده أو كلاهما معاً.

 

في الزمن القديم، زمن آبائنا وأجدادنا، كان الاهتمام بالطفل واحتياجاته يُعتبر من الأمور الهامشية وينشأ الطفل وهو يتبع والديه و يُفرض عليه قيود وتقاليد مشددة، حيث لا يملك معها رفاهية الاختيار أو الحرية في اتخاذ القرارات أو المشاركة في صنعها، فقط تنفيذ الأوامر والالتزام بما يُملى عليه والعقاب الصارم ينتظره اذا ارتكب خطأ أو اختار أن يخرج عن الطريق المرسوم له، والعقاب غالباً إما بالضرب أو العنف أو الأذى النفسي الشديد ولذلك مع تطور العلم وانتباه علماء النفس والاجتماع لحاجات الطفل المعنوية والاجتماعية والصحية والذهنية، تطورت وتنوعت أساليب التربية الحديثة عن القديمة وأصبح لزاماً مواكبتها لينشأ جيل سوي معتدل الطباع والتفكير.

مما لا شك فيه أن مرحلة الطفولة تعتبر من أهم المراحل التي تشكل شخصية الإنسان وتجعله قادرا على مواجهة الحياة، وكما ترغب جميع الأمهات في أن ينمو طفلها في بيئة صحية سليمة نفسيا واجتماعياً ولا ننسى صحته الجسدية والعقلية، فمن الأفضل أن نتجنب ما قد ورثناه عن آبائنا، قد نلجأ لبعض الطرق القديمة التقليدية أحياناً، ولا مانع إن مزجناها ببعض النصائح وأساليب التربية الحديثة، ولكن انتبهي لكل طفل شخصية مختلفة وبيئة مختلفة، فطريقة تربيتك تختلف عن صديقتك أو أختك أو حتى والديكِ، فالتزمي خطتك ولا تقلدي أحد، فأنتي لست في منافسة أو مسابقة مع أحد.

 

لكي تغرسي في طفلك الثقة بالنفس ولكي يكون قادراً على الاعتماد على نفسه، يجب أن يكون لدى الأم والأب إيمان بقدرات أطفالهم وأن يكون لديهم إمكانات مذهلة تجعل لديهم المقدرة على فعل المستحيل، لذا قدمي لهم الدعم والتشجيع دائماً بطرق تحفيزية،حتى تزيد ثقتهم بنفسهم ويحققوا ما يتمنوا.

 

ابتعدي عن الأساليب التقليدية في تأديب الطفل أو تعديل سلوكه وذلك بتجنب استخدام العنف والضرب والتعامل بعصبية والصراخ في وجهه ، لأن طفل الألعاب الإلكترونية ومدمن عالم الإنترنت يحتاج إلى طريقة عقاب تناسب هذه العقلية، يمكن اللجوء إلى التوبيخ وذلك باستخدام اللين مرة والشدة والحزم مرة أخرى، واختاري العقاب المناسب حسب سن طفلك، والأهم زني الأمور حسب الموقف ولا تقومي بعقابه أمام أحد أبداً.

 

لا تبالغي في المدح والثناء وابتعدي عن الدلال المفرط، كي لا تنمي طفلا مغروراً أنانياً ينظر إلى الآخرين نظرة تعالِ، قدمى له الحب والدعم والثقة بالنفس، ولا تعطيه الشعور بأنه الطفل الوحيد في العالم، يجب أن يتعلم المشاركة والتعاون مع الغير وألا يكون أنانياً.

 

لا تعتمدي على أسلوب العقاب واستخدام القسوة والشدة في التربية ولا على أسلوب المكافأة أيضاً، فعندما يخطأ طفلك، يجب أن يشعر بفداحة الخطأ الذي ارتكبه، اغتنمي الفرصة واجعليه يفكر في عواقب فعلته وأشركيه في اختيار العقاب المناسب له، ليتعلم من أخطائه وبالتالي لن يكررها مرة أخرى، وكذلك عندما يفعل شيئاً إيجابياً أو يتفوق في مجالٍ ما، كافئيه بشيء يحبه وامدحيه ولكن بلا مبالغة.

الطفل في هذه المرحلة يتطلع إلى قدوة ومثل أعلى ينظر إليه، فحاولي ان تكوني أنتي ووالده قدوة ومثل أعلى له، واجعلي من بيتك بيئة مسالمة ومستقرة قدر الإمكان واغرسي فيه المبادئ والقيم الدينية والاجتماعية والأخلاقية واحرصي على ألا يتجاوز حدوده الأخلاقية مع أحد.

 

تذكري أن التربية في هذا العصر تحتاج للكثير من الهدوء والتحمل والصبر.

 

أنتى الأم والأب البوصلة التي سوف ينظر إليها طفلك لتوجيهه إلى الطريق الذي سوف يسير على خطاه مستقبلا، فكونا قريبين منه لتفهموا تركيبة شخصيته واهتماماته وتشجيعه وبذلك تضعونه على أول الطريق الذي سوف ينفعه لاحقاً، وطبعاً بالمواظبة على متابعة سلوكه وتنمية مهاراته وتطويرها.

 

أخيرا إن حياة الأطفال هذه الأيام معقدة ومتشابكة ومختلفة عن تربية آبائنا وأجدادنا، أطفال اليوم يواجهون تحديات من جميع الجهات وبأشكال مختلفة من وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت وأصدقائهم وزملائهم في الشارع والمدارس وغيرها، فاليوم الطفل محاصر ويعيش تحت ضغوط رهيبة ، فكوني هينة ولطيفة معه.

 

اهتمي بتعليمه ولا تبالغي، قد لا نستطيع منعهم من استخدام أدوات التكنولوجيا اليومية ولكن وزعي وقتهم بين أنشطة مفيدة لهم رياضية وثقافية وقللي من الساعات التي تضيع خلف الشاشات الإلكترونية.

 

وبالحب والاهتمام وزرع الثقة فيهم سوف ينشأ جيل قوي الشخصية وطموح ولديه أهداف وأحلام لتحقيقها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا