رؤية وابداع

الخروج الأول – الحلقة الثانية

 

 

بقلم: د. باسم موسى

 

اشتعلت حيرتي، والتهب ارتباكي، وهطلت التساؤلات على عقلي، هل خروجي من جسدي، يعني أنني مت؟!!. هل أنا أفارق فعلا بيتي وأبي وأمي وأخويَّ وأصدقائي .. وكل تفاصيل حياتي؟! ماذا سيحدث لي بعد قليل؟! وماذا، وماذا…

نظرت إلى جسدي، انتابني شعور لا استطيع وصفه، كنت فيما سبق أراه مسطحا في مرآة أو صورة، ومن زاوية واحدة. لم أكن ارى مجسما إلا بعضا منه، .. ذراعي أو ساقي أو .. أما الآن، فانا أراه أمامي كاملا! .. أراه أمامي مجسما، بل ليس كما كنت أراه سابقا، إنني أراه من جميع جهاته في آن واحد،. لا أعلم كيف؛ ولكن هذا ما هو واقع بالفعل!!.

إن مظهره مثير للشفقة، إنه ملق فوق السرير كأنه دمية، لا تتحرك بل إنها فقدت القدرة على الحركة من تلقاء نفسها. اوشكت إن اهبط لألمس جسدي شفقة او اربت عليه، ولكن انتابتني رهبة شديدة فتراجعت.

لقد رافقني طيلة خمسة وأربعين عاما… إنها سنوات طويلة من العشرة، نبت فيها ونما معي، مذ كان اكبر قليلا من حجم كفين مجتمعين. ولم أعرف قط نفسي ولم يعرفني الناس إلا من خلاله.

حزني عليه ينساب عبر كياني الجديد وأشعر بالتأسف عليه، بشدة وعمق.

وفجأة، .. شغلني عن التفكير في جسدي وحاله، صوت هادئ ورد مسامعي. وبالرغم من أنه هامس إلا أنني أسمعه بوضوح تام. إنه صوت أحد يتحدث. إنني أعرف صاحبه جيدا.. إنه جاري خالد، يأتيني صوته شديد الوضوح رغم أنه في بيت مجاور.

تعجبت جدا لذلك، وانهمكت في محاولة التقاط مجموعة أخرى من الأصوات للتأكد من هذه القدرة الجديدة، ونجحت في ذلك فعلا، وبنفس الوضوح.

وفجأة، تذكرت أبي وأمي وأخويَّ، .. تذكرت أني مفارقهم.. لن نلتقي ثانية لزمن لا يعلم مقداره إلا الله. وحتى بعد انقضاء الزمن لن ياتوا إلي جميعا. بل فرادى يلي بعضهم بعضا، فتبقى أنهار الشوق جارية حتى نجتمع ثانية عند مليك مقتدر.

تذكرت ذلك فاندفعت نحو الباب كسهم أطلقه شوقي لعنافهم وتقبيلهم قبل الرحيل الأخير، اندفعت يغذي شوقي أسى الحرمان من الدفء والحنان.

قبضت على مقبض الباب بعنف وأدرته بقوة، وجذبته بسرعة كي ينفتح، ولكن ..

حدث مالم يخطر مطلقا ببالي…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا