التاريخ والآثار

الفلاح المصري القديم

 

بقلم الباحثة/ مي نعمان

تعد طبقة الفلاحين والزراع في مصر القديمة هي أهم طبقات المجتمع المصري حيث استحوذت على أغلبية السكان طوال العصور الفرعونية، وكانت حياتهم بمثابة انعكاس واضح للعمل الدائم من أجل زيادة الإنتاج ودفع عجلة التطور في المجتمع المصري القديم، وأوضحت لنا جدران المقابر والمعابد العديد من صور الحياة اليومية مثل الحرث والبذر والحصاد وهي المهام اليومية المعتادة للفلاح المصري مضاف إليها طرق الري والحفاظ على المياه وأهمية نهر النيل في تحول مصر إلى بقعة من أخصب بقاع العالم.

تبدأ مهام الفلاح عند انخفاض منسوب فيضان النيل فيقوم بحرث الأرض وعزقها ثم يبذر الحبوب وينثرها عليها، وكان هو الذي يختار الحبوب بعناية تامة حتى لا تجهد الأرض بتكرار زراعة محصول معين، وكان يختبر طبيعة التربة وملاحظتها بصفة دائمة ومن ثم أصبح على دراية تامة بأنسب فصول البذر والحصاد بواسطة الدروس التي تلقوها عن آبائه، وكانت حياة الفلاح قاسية ما لم يكن المشرف عليه من الموظفين ذوي القلب الرحيم، وهو أمر لم يكن كثير الحدوث بل كان المر الشائع امتصاص قوى العامل إلى أقصى حد ممكن، وكان الفلاح مرتبطاً بالأرض يتنقل معها من مالك إلى آخر كأنه جزء منها.

الفلاح المصري القديم
الفلاح المصري القديم

أما عندما يقبل الفيضان يصبح العمل في الحقل مستحيلا فلا يجلس الفلاح بلا عمل بل ينتقل إلى العمل في المحاجر التي يكون العمل بها لخدمة الفرعون وبناء قبره أو معابد الآلهة؛ لذلك كان الفلاح نحيل الجسم لم يأخذ قسطه الكامل من التغذية ويتناول أجره البسيط عيني من المحاصيل ولكنها لم تكن تكفيه فأصبح فريسة المجاعات والأوبئة التي ظن أنها آلهة. وكان الفلاح يدين بالولاء للموظف الذي يوضع على رأسه وهو مسؤول عن زراعة الأرض التي يسمح له بجانب من إنتاجها ليعيش عليه وهذا هو أجره لأن العملة المعدنية لم تكن معروفة آنذاك.

الفلاح المصري القديم
الفلاح المصري القديم

وحين كان العمال الزراعيون لم يكن لديهم أعمال في الحقل كان يقضون الوقت في صيد الأسماك والطيور والحيوانات الصغيرة في الصحراء.

كان الفلاح حاد الطبع خفيف الروح محبا للمرح والسرور يقوم بأي عمل مهما كان شاقا، قدماه دائما في طين النهر سواء كان تزرع محاصيل سيده أو حصادها أو يبنى له بالطوب اللبن أو يسوق ماشيته وكان يعيش دائما قريبا من الطبيعة محبا للنبات والحيوان. عثر على تمثال صغير في مقبرة \”تي عنخ بي\” من عصر الأسرة السادسة يمثل فلاحا يعزق أرض مبللة قد غاصت فيها قدماه إلى الكعبين.

 

أما عن زوجة الفلاح فقد كانت تشاركه في عمله وحرفته فتجمع الغلال وتقوم بتذريتها وغربلتها ثم تخرج إلى الترعة المجاورة لتملأ جريها وتغسل ملابسها وتعود للمنزل ومعها ما يكفيها من الماء لبقية اليوم، كما تقوم بطحن الحبوب وعجن الدقيق وخبزه وأيضاً تزاول مهنة الغزل والنسيج وتذهب إلى السوق لتبيع الزبد والنسيج والطيور وتجنى أيضاً الثمار كل ذلك نشاهده على جدران مقبرة \”منا\” طيبة… الأسرة الثامنة عشرة.

الفلاح المصري القديم
الفلاح المصري القديم

ورغم أن العمل في الحقل شاق ومتعب كان الفلاح يؤدي أعماله وهو يغنى ويضحك وعندما يسوق ماشيته أمامه في المستنقع كان يردد أغنية بسيطة للتمساح والسمك، وكانت تقام الحفلات ويقوم بالرقص واللعب والأكل من مآدب سيده، وكانت حياته ترتبط بحيواناته التي تقوم بجواره ليلا ونهارا ويعتمد عليها اعتماداً كاملاً في نقل أدواته، رغم أن الفلاح لم يأخذ حقه كاملا إلا إنه كان عنصر رئيسي وأساسي في حياة البلاد.

أما بالنسبة لبيت الفلاح المصري فلقد كان يبنى بيته منذ عصور ما قبل التاريخ من الطين، وكان شكله صغير الحجم بابه من أعلى ويصعدون إليه بواسطة درج من الخشب، وفي العصور التاريخية عرفوا قوالب الطوب المصنوع من الطين وتمكنوا من بناء البيت بالمعنى المعروف، وكانت بيوتهم تتكون من دور واحد ونوافذ من أعلى ذات فناء بعضه مسقوف على عمد واستعانوا بالجرد والبوص وأخلاق النخيل في عمل الأسقف، ولقد عثر على نموذج من الفخار لبيت الفلاح من عصر الدولة الوسطى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا