المرأة والحياة

سيدات ناجيات من العنف  

 

 

✍️ روان عبدالعزيز

 

منذ بدء الخليقة..

عندما خُلِقَ آدم -عليه السلام- كان ضروري وجود حواء.

وحينما وُلِدَ عيسى -عليه السلام- كان لازماً وجود مَريم.

وفي وقت بعثة مُحمد -صلي الله عليه وسلم- أول سانديه كانت خَديجة.

رضى الله عنهن جميعاً، فكيف بعد ما عظمهن الله نفكر نحن البشر في إهانتهن، في إذلالهن، في ممارسة العنف معهن؟

 

ممارسة العنف على النساء و التقليل من شأنهن شيء موجود منذ أيام الجاهلية وقبائل مكة، فكانوا يوئدون البنات وهن على قيد الحياة بمجرد ولادتهن، فكانوا إذا بشروا بالأنثي حولت حياتهم لجحيم، فقال الله -عز وجل- {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ}.

 

فبأي ذنب؟ بأي حق يتم سلب حق إنسانة من الحياة لمجرد أنها أنثى؟ فقال الله تعالى {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ* بِأيّ ذَنْبٍ قُتلَتْ}.

 

فنحن كنا ومازلنا نعيش وكأننا في حرب، نبارز بجميع أسلحتنا لإثبات قدراتنا على الحياة وأننا قادرات على الصعاب، وأننا رغم أننا نساء إلا أننا قويات، فلماذا نهاب أنثى الأسد ونتلاشاها بالرغم من أنها أنثى، ألأنها قوية، شامخة، صلبة قادرة على محو أي شيء يعوق طريقها؟

 

فمن قال إذًا أن أناث البشر يقلّن قوة وشجاعة و إصرار عن أنثى الأسد؟ فبالرغم من كل ما صار ويصير لنا حتى اليوم إلا أن منا البعض مازالن يقفن على أرض صلبة ولا يتأثرن بشيء، ومادُمنا ذكرنا العنف وكيف نواجهه فممكن ذكر سيدات عظيمات استطعن النجاة من العنف على مرّ الزمان :-

 

” ديانا” :- 

“لم أعد أشعر بأنني سجينة أو محاصرة أو خائنة، هناك الكثير من الأشياء التي يمر بها المرء كضحية، بما في ذلك الاضطهاد النفسي، ولكنني الآن أعلم أنه يمكنني تحقيق كل ما أخطط له”.

 

وهذه كانت كلمات خارجة من عمق امرأة تعرضت لجميع الإهانات الممكن حدوثها في أي علاقة – اختاروا الأب قبل الزوج- فإذا كان الرجل يحمل مشاعر أبوية رؤوفة فلن يكون قاسي القلب أبداً.

 

ديانا امرأة تبلغ من العمر 48 عاماً، زوجة لرجل أقل ما يُقال عنه أنه سيء ، وأم لسبعة أطفال عانوا معها ومع أبيهم و لا يقلوا ضرراً عن والدتهم، كانت ديانا مؤمنة أنها لن يُطلق سراحها من هذه العلاقة السامة التي استمرت 28 عاماً إلا بقتلها على يده، ألهذه الدرجة وصل بها الخوف واليأس من الحياة؟ فمن ضمن كلماتها: “لم أكن خائفة من أن يضربني، كنت مقتنعة بأنه سيقتلني”، وهذا كله لطلبها الشرعي وحقها الطبيعي في طلب الطلاق، ويقول جل شأنه: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231].

 

وبالرغم من كرهها للعيش معه إلا أنها كانت مترددة في طلب الانفصال أو تقديم شكوى للشرطة ولكن عندما علمت بالخدمات التي يقدمها ملجأ محلي، أدركت أنه بإمكانها الهروب من جلادها، كما أنها قررت أن تقدم شكوى ضده، بالإضافة لدعم من الأخصائيين الاجتماعيين ومأوى محلي ومساحة آمنة مخصصة للتعافي، حصلت ديانا على وظيفة مساعدة إدارية في مكتب للحكومة المحلية.

 

” ميلينا ” :- 

 

أحياناً الجهل ببعض الأمور قد يجعلنا نتعرض لمساوئ كثيرة وقد تكون هذه المساوئ على يد أحبابنا والمقربين منا ونحن لا ندرك ذلك، وهذا ما حدث لميلينا في عمر 14 عاماً، طفلة صغيرة ولكنها وُلِدَت في مجتمع غربي ذنبها الوحيد أنها في مجتمع يُبيح المحذورات -كالعلاقات الجنسية بمجرد البلوغ- وهذا بعيداً عن أنه ضار للفتاة عموماً ولكن أن يحدث بالغصب.

 

هذا ما لا يُمكن السكوت عليه، ولكن ميلينا سكتت، سكتت ميلينا لجهلها وعدم فهمها لما فعله صديقها وحبيبها حينما اعتدى عليها جنسياً وانتهك روحها، بدون أن تدرك هي مُسمى ماحدث ونست أو تناست ميلينا ما حدث وظلت ترى المُعتدي لمدة ستة أشهر بعد الحادث.

وبعد عامين وعن طريق الصدفة البحتة فهمت ميلينا ما حدث ومُسماه وأنها كانت ضحية لحادث اغتصاب، ومن هنا كانت الانطلاقة لميلينا، عزمت ميلينا على معرفة كل شيء عن التحرش والاغتصاب و أصرت على رفع الوعي لكل البنات وتعليمهن عدم ترك حقوقهن، فمن ضمن المساوئ التي تقابلنا نحن الفتايات أننا نعيش في مجتمع إذا سُرقت منه حقيبة يقلب الدنيا رأساً على عقب، وإذا انتُهكت روح فتاة يقابل هذا بالتكتم و عدم الفضائح، بل بالقتل أحياناً خوفاً من العار.

 

فانضمت في العام الماضي إلى برنامج إرشاد الشباب التابع لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، حيث تم تدريبها على المساواة بين الجنسين وحقوق الإنسان وتعلمت كيفية التعرف على الإساءات والوقوف ضد التعليقات والمضايقات الجنسية، وقامت بتطوير دليل المساعدة للناجيات من العنف الجنسي.

 

ووفقاً لبحث تم عمله بعام 2019 بالشراكة مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة، توصلا إلى أن من بين كل خمس رجال قام واحد بالاعتداء الجنسي على فتاة أو امرأة حتى لو تحت مُسمى علاقة عاطفية.

 

وأوضحت دومينيكا ستويانوسكا الممثلة القطرية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في مولدوفا: “لقد أظهر البرنامج أن نشاط الشباب ومشاركتهم يمثلان مفتاحا للقضاء على عدم المساواة بين الجنسين في مجتمعاتنا”.

 

” روميلا ” :- 

 

“تقول نازلي نيبا التي تعمل منسقة للبرامج في الملجأ: “مهمتنا هي جعل النساء يشعرن بالأمان والتمكين، ومعاملتهن بأقصى درجات الاحترام والتعاطف”، ولكن هل هذا يُعيد ما سُلِبَ من أي امرأة، كرامتها، روحها، ثقتها بنفسها، قدرتها على فعل شيء؟

 

تزوجت روميلا من رجل قلبه مُتحجر وحينما حَمِلَت قام بضربها لكمة قوية سببت إجهاضها، تسببت جائحة كورونا إلى غلق العديد من الملاجئ، بعد أن شنت حرب عنيفة على النساء والفتيات في بنغلاديش.

 

استطاعت روميلا أن تنجو بحياتها وقام شقيقها بتهربيها إلى ملجأ تارانغو للنساء، والذي تجمعه شراكة بهيئة الأمم المتحدة للمرأة، والذي توفر لها أماكن آمنة للعيش فيها، وخدمات قانونية وطبية، وتدريب مهني للنساء المعنفات اللاتي كن يبحثن عن بداية جديدة.

 

يأوي ملجأ تارانغو ما بين 30-35 ناجية، ويقدم خدمات على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع، تساعد هؤلاء الناجيات على التعافي من الصدمات واستعادة كرامتهن وتعلم مهارات جديدة والحصول على وظائف ومنحة نقدية لمدة شهرين لبناء قدرتهن على الصمود اقتصاديا.

 

واستطاعت روميلا فتح صفحة جديدة في حياتها وقالت: “دائماً ما كان يملي عليّ الآخرون كيف ألبس، وأين أذهب، وكيف أعيش حياتي، الآن أعلم أنني امتلك هذه الخيارات، أشعر بالثقة، حياتي باتت أكثر متعة”.

 

حاربي، واجهي، قفي ف وجه كل مَن يعاديك، لا تخافي، لا تجبني، حافظي على كرامتك، روحك، نفسك، ممتلكاتك، حتى جسدك، اختاري صح و ثقي بقدراتك.. كلها كلمات تحمل معنى واحد ” كوني قوية”..

لا تسمحي لأحد باستخدامك مهما كان يملك عليكِ سُلطة، فأنتِ تستحقين العيش بكرامة، فأنتِ مثال للفخر والعزة والشجاعة..

وأخيراً.. كوني أنتِ وكفىٰ…

 

إقرأ أيضاً:- 

 

دور المجتمع العربي في مناهضة العنف ضد للمرأة

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا