مقالات

أزمة ذوق

كتبت: إيمان حامد

 

تعتبر صفة الذوق أحد أهم الصفات الضرورية التي يجب أن تتوفر في الإنسان فهي تساهم في تحسين جودة الحياة والتواصل الإنساني، لكن ثقافة الذوق، تعاني أزمة في ظل اقتصار الذوق على الأزياء وتناسق ألوانها، والعطور وتناغمها، والأطعمة ومذاقها، في حين غاب عن الكلمات والسلوكيات، التي أصبحت جافة وقاسية وخالية من الرحمة والمشاعر.

 

الذوق هو خليط من المشاعر والسلوكيات يجمع بين الحس المرهف ومراعاة الآداب في المواقف بما يقتضيه من القول والفعل المناسب ومعرفة ما هو لائق ومناسب في العلاقات الاجتماعية في الذوق يساهم في ارتقاء الأمم، ليتحول مع كثرة الممارسة من سلوك فردي إلى ظاهرة اجتماعية تمارسها الغالبية فتنطلق ألسنتهم بالثناء والشكر مع كل معروف يُقدم، ويختارون كلماتهم بعناية بعيدًا عن الغلظة والخشونة، ويعاملون غيرهم كبشر بلا تمييز أو عنصرية.

 

تهدف ثقافة الذوق إلى مراعاة الآخرين والابتعاد عن إيذاءهم بأي شكل من الأشكال حتى ولو بالكلمة القاسية أو تعابير الوجه وتلك الروح المتعالية في التعامل هي الجوهر الحقيقي للتدين، والوجه الأصيل للدين ولكن ما نراه الآن في الحياة تؤكد أن الذوق آخذ في التآكل لغياب المعايير الأخلاقية والدينية القائم عليها، فمع ضغط الحداثة والعلمنة وتشكل المجتمعات الصناعية، وإبعاد الدين عن التأثير في الحياة العامة، والأخلاق العامة أخذ الذوق يتراجع.

 

وعلى الرغم من إيجابيات الحداثة في التجربة الغربية، إلا أنها أحدثت شروخًا عميقة في المجتمع ونزعة التمرد التي تميزت بها ضد الجمود الديني، والتي تحولت إلى غضب عارم تجاه الدين ورفض لكل مقولاته وأفكاره، وسعيها للابتعاد عن الأخلاق فأصبح السلوك الإنساني طليقًا بلا رادع أخلاقي أو ديني.

 

صفة الذوق صفة فطرية في الإنسان، لكن المجتمع هو من يرعاها وينميها من خلال ثقافة الذوق والقيم التي يغرسها مبكرًا في أبنائه، والممارسات السلوكية الرحيمة والعطوفة والمتعاونة التي يبثها بشكل يومي من خلال أنشطة الحياة وتفاعلاتها، وتنمية الذوق من خلال استعادة معيارية الدينية والأخلاقية في الحكم على السلوك هذه العودة تنمى الضمير والإحساس بالواجب والرحمة والحس المرهف.

 

 بالإضافة إلى العطف على الآخرين والتعاون معهم والرحمة بهم، لذلك نجد في الإسلام الكثير من النصوص التي تؤسس للذوق الرفيع مثل: تشجيع روح الابتسام في المجتمع، حتى إن النبي-صلى الله عليه وسلم- جعل تبسم الرجل في وجه أخيه نوعًا من الصدقات كما أن الإسلام جعل الكلمة الطيبة صدقة، وحث المسلمين على تقديم كلمات الشكر عندما يُقدم إليهم معروفًا، واعتبر أن من لا يشكر الناس لا يشكر الله، كذلك حث على الرفق في كل شيء .

 

كما شجع الحياء واعتبره شعبة من الإيمان ورأى فيه مصدرًا لكل خير، وحث على الذوق في التعامل بين الناس، مثل: الإفساح في المجالس، وعدم مخالطة الناس إذا أكل الشخص أكلات تنتج روائح غير جيدة مثل الثوم والبصل، وحث على الابتعاد عن الجدل العقيم الذي يفسد المودة بين الناس .

 

واهتم باحساس ذوي البلاء، وأن يتحسس المرء كلماته حتى لا يؤذي مشاعر غيره وحث على الامتناع عن إفساد نوم الناس وخلوتهم في أوقات راحتهم وحث على احترام كبار السن ومراعاة ضعفهم وقلة تحملهم، وحث على الرحمة بالصغار والنساء والعمال والخدم، وحث أن يُعطى الشخص المكانة التي يستحقها، فلا يُبخس حقه في الاحترام والتقدير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا