المرأة والحياة

هل مررتِ بالليلة المظلمة للروح؟

 

✍️ نورهان المحمدي

 

تمرض النفس كالجسد تماما، تلك حقيقة يجب الإعتراف بها من الجميع، فنولد جميعا على الفطرة لكن نتعرض للأزمات والصدمات يوما تلو الآخر على طوال المراحل العمرية لنا على وجه الأرض، والتي نتعرض فيها لمواقف ثقيلة وأزمات يمكنها أن تدمي قلوبنا وتنحر أرواحنا أيضا.

الليلة المظلمة للروح ليست ليلة واحدة كما يظن الجميع، بل هي حالة ما تداهم الروح المثقلة لفترة زمنية ما لا يمكن التنبؤ بمدتها حيث يختلف طولها من شخص لآخر، فقد تكون ليلة واحدة أو ليالٍ عدة، تداهم شخصا بعد أزمة نفسية قوية فجعت قلبه وروحه لتعيده للحياة من جديد، ربما تستمر لأيام، أسابيع، أشهر وأحيانا سنين عدة، لكن يولد فيها الشخص من جديد لتنقي روحه من كل ما اكتسبته طوال فترة وجودها على الأرض.

ما هي الليلة المظلمة للروح ؟

الليلة المظلمة للروح (ths dark night of the soul) هي تجربة قاسية للنفس، وتعتبر أيضا من أصعب التجارب التي يمكن أن يمر بها المرء عموما، حيث يسقط حينها الشخص في بئر مظلم مليء بالحفر العميقة، لا مفر من السقوط بجميعها للوصول لنهاية هذا النفق المظلم الذي سيسجن داخله لمدة، شعور بالضياع، الخوف، الألم النفسي، الفراغ الروحي والتوهة التي تسيطر عليه، حالة من الفصام المؤقت عن العالم الخارجي والغرق داخل نيران العالم الداخلي.

لكن رغم قسوتها فيخرج منها الشخص بحالة نقاء روحي كبير وكأنه ولد من جديد حيث يدرك الشخص ذاته الحقيقية والتي تختلف عن تلك المزيفة التي عاهدها في الماضي، لكن لكي تولد من جديد يجب أن تموت أولا، وليس المقصود بالموت هنا الموت الفزيائي (فناء الجسد) بل فناء النسخة المزيفة منك وموت الأنا والإيجو داخلك.

فبالتأكيد نسبة كبيرة منا استقبلنا مفاهيم خاطئة عن أنفسنا في مرحلة ما من المراحل التى مرت علينا سابقا (مرحلة الطفولة –مرحلة المراهقة – الشباب وإلخ…)، والتى تختلف عن حقيقتنا تماما، تلك المفاهيم الخاطئة عن النفس تترسخ داخلنا وتستقر في عقلنا الباطن لتكون داخلنا الأنا المزيفة التى تتحكم في جميع أمور حياتنا إلى اليوم، فجميعنا مررنا بمواقف ثقيلة وصدمات نفسية قوية ما زالت آثارها بداخلنا إلى اليوم والتى كونت مع الوقت حفرا عميقة داخل غرف قلوبنا والتى فقدت بعضا من نورها إثر ذلك بكل تأكيد.

تسقط داخل كل حفرة منها حتى تتحرر من جميع الآلام داخلك ومفاهيمك الخاطئة عن نفسك، لتبدأ الذات الحقيقية في الحياة من جديد فيزداد الوعي الذاتي وتنحرر الروح من الألم الكامن داخلها منذ زمن فات، فالتواصل الجيد مع النفس ومعرفتها، هو البوصلة التى ترشدك في الحياة إلى كل ما يشبهك ومفيد لك، ترشدك لشغفك وفك شفرات مغزى وجودك على وجه الأرض، وهذا اكثر سؤال عالق داخلنا نبحث طوال حياتنا عن إجابة مرضية له.

أعراض الدخول في مراحل الليلة المظلمة للروح:

من أهم علامات اقتحام الليلة المظلمة للشخص
هي:

• سيطرة حالة من الحزن والكآبة على الشخص فجأة.
• فقدان الطاقة وعدم القدرة على القيام بالمسؤوليات اليومية المعتاد القيام بها في السابق.
• الغرق في أحداث الماضي المؤلمة التي لم يتمكن من تخطي آلامها إلى اليوم (الغرق في الحفر العميقة داخله كما ذكرنا في البداية).
• الشعور بالرتابة والسخط على روتين المعيشة العتاد.
• العزلة والبعد عن البشر حتى من تربطه بهم علاقات قوية.
• عدم الشعور بقيمة الحياة وزيادة التساؤولات الوجودية حول السبب في وجوده في الحياة.
• فقدان الاستحقاقية وعدم تقدير الذات وفقدان الثقة في النفس وعدم احترامها.
• الزعزعة الدينية والتشكيك في العقائد التي باتت شيئا راسخا للشخص في السابق.
• تكرار الأحلام المخيفة والكوابيس المفزعة للشخص.
• سيطرة مشاعر الفشل على الشخص وإتباع هذا الشعور وتصديقه.
• فقدان الهوية لدرجة التشكيك في انعكاس صورته في المرآة، تكرار بعض الأسئلة في ذهنه (هل هذا فعلا أنا؟- هل هذه فعلا يدي؟- هل هذه فعلا ملامحي؟).نصائح للتعامل الصحيح مع الليلة المظلمة للروح:

يجب على كل شخص يمر بتلك الفترة العصيبة أن يدرك أن الله يختبر صبره وقدرته على التحمل وما ابتلاه ليشقيه بل ليغير حاله إلى الأفضل، كل ما عليك فعله ألا تستسلم.

• خذ الأمور بتروي ولا تجذع من سوء الحال وتغرق في بحور اليأس الأبدي من حولك.
• حاول الإرتباط بالواقع ولا تنجرف وراء الوهم الذي سيسيطر عليك في تلك الفترة.
• كن أكثر وعيا لداخلك، أفهم نفسك، وحاول مراقبة أفكارك ومشاعرك.
• حاول تحرير الألم من داخلك وتلك الخطوة يمكن الأستعانة فيها بمعالج نفسي إن لزم الأمر (تذكر كلما تخلصت من صدماتك النفسية بصورة نهائية كلما أقتربت من الخروج من تلك الحالة أسرع).
• التخلص من المواقف التى تسكن عقلك اللاواعي حيث تبقى صدماتنا ومواقفنا السلبية ساكنة داخله وتتحكم في معظم أمور حياتنا دون إنتباهنا لذلك.
• التصالح مع النفس ومعرفة قدرها بعيدا عن الإيجو المزيف الذى اقتناه الشخص سابقا.
• العمل على تحسين وتقوية الصلابة النفسية للشخص .
• إقتناء عادات وهوايات جديدة تشبه روحك الجديدة وذاتك الحقيقة والتي بالتأكيد تختلف كليا عن تلك التي عاهدتها من قبل .
• حاول السيطرة على روتينك اليومي المتزن واحتوائه على نشاطات تزيد من طاقتك كاليوجا وممارسة الرياضة أيضا اتباع عادات غذائية صحية فيمكن لهذا ان يساعدك .

الفرق بين الليلة المظلمة للنفس والاكتئاب:.

تتشابه أعراض الدخول في الليلة المظلمة مع أعراض مرض الاكتئاب، لذا فقد يخلط البعض بين الشعور بالليلة المظلمة للروح وأعراض مرض الاكتئاب، لكن الاختلاف بينهما كبير فالاكتئاب مرض نفسي يعاني منه الكثير بسبب بعض الأزمات والصدمات النفسية التي يمكن أن تواجه أي شخص في الحياة، وهو عبارة عن شعور قوي بالحزن والكآبة الذي يسيطر على الشخص لمده تفوق الثلاثة شهور متصلة، على خلاف الليلة المظلمة للنفس التي يشعر فيها الشخص بالغربة عن الروح والغرق داخلها وأحد أهم أسبابها هو فقدان الهوية وعدم التعرف على الذات وعدم ايجاد طريقا واضحا لوصول إلى الذات الحقيقية.

وأيضا هناك اختلاف كبير في الأعراض وطبيعة التشخيص بين مرض الاكتئاب وشعور الليلة المظلمة للنفس مع اختلاف في طرق العلاج أيضا، حيث يحتاج مريض الاكتئاب إلى تدخل طبيب نفسي مختص مع تدخل كميائي كعامل خارجي لتعديل الخلل الكميائي لمريض الاكتئاب، على عكس تماما في حالة الليلة المظلمة للروح حيث يعتمد على العلاج الروحاني وتعديل الاتصال الذاتي والتشافي من الأحداث التي أدت إلى الإنفصال النفسي للشخص عن ذاته لتعديل جودة حياة الشخص واستقرار حياته من جديد.

ما بعد الصحوة الروحية:

يصل الشخص إلى تلك المرحلة بعد رحلة عناء طويلة وتحدث اليقظة الروحية بعد تصالح الشخص مع ذاته وردم جميع الحفر التى أحدثتها صدمات الحياة داخل روحه، فيصبح يقدر نفسه ويعرف الطريق لذاته الحقيقية، يفهم أن وجوده في الحياة ليس عبثيا كما كان يظن في الماضي، يعرف شغفه جيدا ولديه صورة ذهنية مصغرة عن الطريق الذي سيسلكه حتى يصل لما يتمنى (يحدد مبادئه، ما يؤمن به وما يمثل له معنى راسخا لوجوده في الحياة وما يمكن أن يقبله ، وما يرفضه حتى ولو فاض بريقه على أنوار الشمس نور).

سمات الصحوة الروحية:

• تداهم الشخص مشاعر إيجابية يلمسها المحيطون به حيث يصبح مقبلا على الحياة ومتطلع أكثر إلى المستقبل.
• تعود الروح بنقاء وطفولة متجددة وكأن الشخص خلق اليوم من جديد.
• تزداد طموحات واهداف الشخص وخططه لمستقبله .
• يصبح الشخص أكثر إجتماعية وتعاطفا مع معظم المحيطين به .
• يصبح الحدس الروحي للشخص أكبر فيرشده قلبه لما هو صحيح ويجب اتباعه .
• تزداد الصلابة النفسية للشخص الذي مر بتلك الحالة حيث يصبح أكثر مرونة في التعامل مع المشاكل والصدمات النفسية التى من المحتمل أن تقابله في حياته.
• تزداد ثقة الشخص في نفسه فيصبح الشخص أكثر انسجاما مع الذات وأكثر تقبلا لعيوبه .
• يقدر الشخص الذي مر بتجربة الليلة المظلمة للروح قيمة كل دقيقة في حياته ويزداد إدراكه لقيمة السعادة.

الليلة المظلمة للروح تجربة قاسية ستغرق داخلها لفترة، لكن لا تنسى أنك ستحيا بعدها كمن ولد من جديد.

 

اقرأ ايضا:-

 

تعرف على فوائد الافوجندا

تعرف على مرض السكرى

 

 

MEU

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى