مقالات

“حرث في الماء “

 

✍سليمان عوض 

 

كم من كلمات بسيطة تستوقف الذهن وتعيد للعقل الانتباه، بل وقد تغير مجرى الحياة وأنت لا تدري أنها كانت رسالة إليك إما أن تعيرها أذن منصتة وعقل مستجيب وإما أن تستهين بها فتستهين بك الحياة.

 

“حرث في الماء”

تلك الجملة البسيطة سمعتها مرة فاخترقت أذني ولمست شغاف القلب واستقرت في العقل ولا أدري لماذا خزنها العقل ولم يهملها؟! شأنها شأن كل الكلمات التي تتردد على مسامعي ليل نهار وما أكثر الكلمات التي تتردد على مسامع من يعمل وسط المجتمع ولكن أغلبها ما لم تُستخدم تسقط وبالرغم من أن تلك الجملة لم تستوقفني استيقاف المهتم وقتها إلا أنها استقرت في ذهني ولم أكن حينها أعلم أنها ستخلد في الذاكرة بل كان وقعها على مسامعي عجيب المضمون غريب التركيب .

 

ظللت محتفظًا بها ولا أدري أنها نمط للحياة على قدر بساطتها وأصبحت مع تقدم العمر لا أرى بديلا عنها للتعبير عن الكثير مما يدور من الأحداث من حولي بل صارت كل المواقف التي تؤرق الجفون وتبكي العيون لا أراها إلا حرث في الماء فالحرث الحقيقي يلزمه مشيئة الخالق أولًا ثم أرضًا خصبة يصلب النبات فيها عوده ويشتد .

 

أما الماء فبالرغم من أنه سر الحياة وسر كل شيء حي إلا أن الحرث فيه لا يجدي علمت أن لكل شيء مكان ومكانة فأصبحت أعد لكل شيء عدته وعتاده ولا أترك الأهواء تتحكم في مجريات الأمور تركت الهوي واستعنت بالله وسمحت للعقل أن يرى ما يدور ويحكم في كل الأمور.

 

رأيت من الناس النفاق وعلمت منهم الكذب فعلمت أنهم يحرثون في الماء فبقيت على الشاطيء لا جبنًا ولا تخازلاً كما قال السابحون في الماء أمامي واعتبرت كلامهم حرث في الماء بل مكثت كي أعد السفينة أولًا ثم بعدها أطرحها في الماء فصرت بها قائدًا لا غارقًا.

 

وعندما سرت بسفينتي ما وجدت حولي إلا أولئك المنافين الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم قد كلت أكتافهم وثقلت أجسادهم وأصبحوا يتساقطون في الماء ، وفي البحر لا ترحم الأمواج الضعيف فنظرت حينها في أعينهم وأنا عالي الهمة ولا أري فيهم إلا الحرث في الماء .

نظرت لمن يبكي على ضياع فرصة في الحياة ويعد دنياه قد انتهت ويعيش على البكاء والعويل وشكوى الدهر ومرارة الأيام فعلمت أن ما يبكيه هو حرث في الماء .

 

رأيت من ينظر للدنيا وفي عينيه تلمع كنوز قارون ويسعى خلفها ولا يرى سوى الصراع والكراهية والبغضاء والأنانية لكل من يمر من أمامه ويظن نفسه الوارث لتلك الكنوز على الرغم من أنه لم يعد نفسه حتى لعدها -إن وصل إليها- حرث في الماء .

 

أدركت أن الحياة جهد وشقاء وأن فن “الفهلوة” فن هابط شأنه شأن الخيال العابر يمر ولا يترك أثرًا أصبحت أتعامل مع الناس بالأفعال والمواقف لا بالكلام فالكل يتحدث ولكن القليل من يفعل .

 

فنصيحتي إليك قارئي العزيز قف على أرضك أولًا ولا تنصت لمن ينظر إليك بعين المستصغر المستهين لأنك إن حرثت أرضك أولًا استطاعت بزورك أن تنبت فيها وتصل أشجارك إلى عنان السماء وتصير ثمارك دانية لك أنى شئت .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا