مقالات

الصوفية المذهب الذائب

 

كتب: عبد العزيز مصطفى

في مستهل حديثي عن الصوفية، كان من باب أولى أن أبدأ بتحليل اسمها وإظهار معناه من بطون المعاجم و الأسفار و لكن الكلمة لها مقصوداً في الدين والدنيا منذ ألف و أربعمائة سنة فلِمَ البحث عن معنى لا يمثل الكلمة و لا يبرز ما فيها ؟

أولاً :و رغم اعتبار التصوف أو الصوفية مذهب إسلامي ذو قواعد و أسس، لكن وفق الرؤية الصوفية لنفسها فلا ترى ما يراه عموم المسلمين و أن الصوفية ليست مذهبًا، وإنما هو أحد مراتب الدين الإسلامي الثلاثة من وجهة نظرهم و التي تبدأ حينما يسلم نفسه وروحه لله و هذا هي المرتبة الأولى الإسلام ، و الثانية حينما يسمو الدين بالإنسان إلى مرتبة لا يغلبه فيها الشيطان ويسمونها الإيمان ، و المرتبة الثالثة يوم يصبح المسلم خيراً يمشي على الأرض وهذه يسمونها الاحسان، ويرى علماء الصوفية أيضا أنه مثلما اهتم الفقه بتعاليم شريعة الإسلام وأركانه ، وعلم العقيدة بالإيمان و أصوله ، فإن التصوف اهتم بتحقيق مقام الإحسان و السمو و التفرغ الخالص لتحقيق تلك المرتبة ، مقام التربية والسلوك، مقام تربية النفس وطهر القلب وتطهير النفوس من الرذائل وتحليتها بالفضائل و الخصال التي تشتاق لها الروح تلك التي نعدها الركن الثالث من أركان الدين الإسلامي الكامل بعد ركني الإسلام والإيمان، وقد جمعها حديث جبريل، وذكرها الإمام ابن عاشر في منظومته “المرشد المعين على الضروري من علوم الدين” في كتابه الجامع، وحث أكثر على مقام الإحسان، لما له من عظيم القدر والشأن في الإسلام .

 

ثانياً: لكن ومع الأسف رغم تحديد الصوفية بأنها سمو المؤمن إلي مرتبة تجعله مثل من أتى من الجنة يمشي على الأرض فقد تغيرت الصوفية على مر قرون بفعل المدخلات عليها فمنها من أحسن عملا و منها من أساء فعلا و لنتطلع إلى كل تلك المتغيرات علينا الخوض في تاريخ بالغ القدم بقدم الإسلام لنتعرف على المتصوفة الأوائل قبل الدراويش و الحضرات و مقامات الأولياء و رتابة القواعد عبر الأزمان .

 

تاريخ الصوفية الأول

و تاريخ الصوفية ينقسم لأكثر من بداية و يمتد لأكثر من اندثار في التقاليد والعادات المتبعة فيه مع تغير البلاد و العباد كما ذكر الإمام السيوطي و حجة الإسلام الإمام محمد الغزالي و قد فند عدد من علماء المسلمين بدايات الصوفية لأكثر من فترة فمنهم من أرجعها إلي الإسلام و هنا يُرجع أصل التصوف الذي نعرف بعضه كسلوك وتعبد وزهد في الدنيا وإقبال على العبادات واجتناب المنهيات ومجاهدة للنفس وكثرة لذكر الله في الأصل إلى عهد سيدنا رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم وعهد الصحابة الكرام، وأنه يستمد أصوله وفروعه من تعاليم الدين الإسلامي المستمدة من القرآن والسنة النبوية تلك التعاليم التي صارت عليها أغلب طوائف المسلمين من الزهد والورع في القرون الأولى حتى الآن .

و لكن.. هناك وجهات نظر أخرى، ترى أن أصل التصوف قد أتى قبل الإسلام و لذلك قلت في بداية حديثي “تاريخ الصوفية بالإسلام” و لكن قد سبق الإسلام شرائع ومذاهب أرضية و سماوية عرفت جانب الاعتزال في الصوفية مثل الرهبنة البوذية، والكهانة المسيحية، والشعوذة الهندية فقالوا: هناك تصوف بوذي وهندي ومسيحي وفارسي بينما يرفض الصوفية المسلمون تلك النسبة و هم على حق فالصوفية ليست في اعتزال الناس فقط ولا مجاورة بيوت العبادة فقط ويقولون بأن التصوف ما هو إلا التطبيق العملي للإسلام، وأنه ليس هناك إلا التصوف الإسلامي فحسب و ما أتى قبله فهو نتاج ديانة و عقيدة صاحبه و ليس هو و طلب الإيمان الكامل بالإسلام بالصوفية سواسية كأسنان المشط إنما تفاوت المتبع و التابع و الملقي و المتلقي لذلك فالاختلاف واضح وضوح شمس الضحى في عنان السماء.

طوائف الصوفية و عمائمها

و يرجع أصل الطرق الصوفية المعروفة اليوم إلى عهد رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما كان يخصّ كل من الصحابة رضي الله عنهم بورد يتفق مع درجته وأحواله بينهم .

 

أما الصحابي أبو بكر رضي الله عنه

فقد أخذ منه الذكر بالاسم المفرد بقولة “الله”.

وأما الصحابي علي بن أبي طالب رضي الله عنه

فقد أخذ عن النبى الذكر بالنفي والإثبات بقولة
“لا إله إلا الله”
ثم مالبث أن أخذت تلك عنهما من التابعين وأتباع التابعين هذه الأذكار وسميت الطريقتين :

الطريقة البكرية و الطريقة العلوية و كانا أول الطرق الصوفية في الذكر و التعبد و السمو و لكن بعد تلك المرحلة أتت علي الصوفية دهور أخري تغيرت بها السبل و أن ظلت المقاصد واحدة أتت تلك المراحل بعدما تعددت الطرق.

 

و الطرق هي السبيل في التعلم الخاص بكل إمام من الصوفية و تختلف الطرق التي يتبعها مشايخ الطرق أنفسهم في تربية طلابهم و أتباعهم و مريديهم باختلاف مشاربهم وأذواقهم الروحية، واختلاف البيئة الاجتماعية التي يظهرون فيها.

 

فقد يسلك بعض المشايخ طريق الشدة في تربية المريدين فيأخذونهم بالمجاهدات العنيفة ومنها كثرة الجوع والصيام والصمت والسهر وكثرة الخلوة والاعتزال عن الناس وكثرة الذكر والتفكر كما كانت طريقة الإمام “محمد صائم الدهر” فقد كان شيخ طريقة في زمانه، وقد يسلك بعض المشايخ الآخرين طريقة اللين المفرط في تربية المريدين فيأمرونهم بممارسة شيء من الصيام وقيام مقدار من الليل وكثرة الذكر، ولكن لا يلزمهم بالخلوة والابتعاد عن الناس إلا قليلاً.

 

ومن المشايخ من يتخذ طريقة وسطى بين الشدة واللين في تربية المريدين و الاتباع و ذلك أحسنهم حزما و قدوة وكل هذه الأساليب لا تخرج في أحكامها عن كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، كما يقولون، بل و كانت تعد بابًا من أبواب الاجتهاد الخالص لوجه الله .

 

وللعديد من الطرق الصوفية شارات وأعلام وألوان يتميزون بها عن غيرهم .. فيتميز الرفاعية باللون الأسود، ويتميز أهل الطرق القادرية باللون الأخضر، ويتميز أهل الطرق الرحمانية باللون البرتقالي، ويتميز أهل الطرق الأحمدية باللون الأحمر، أما أهل الطريقة البرهانية فإنها لا تتميز بلون واحد كسائر الطرق بل تتميز بثلاث ألوان: الأبيض الذي تميز به إبراهيم الدسوقي، والأصفر الذي تميز به أبو الحسن الشاذلي ومنحه لابن أخته إبراهيم الدسوقي، والأخضر وهو كناية عن شرف الانتساب لأهل بيت نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وآله وسلم كبعض الأئمة من تلك الطرق و لكن لم تك الطرق الصوفية علي طول عهدها مستكينة كما تراها اليوم بل كانت صاحبة الفضل في بعض الحروب بتجييش الجيوش و شحذ الهمم و المناداة لثورات علي الظلام في كل زمان، و لكن هذا ما نستعرضه في مقال خاص بالجزء الثاني إن شاء الله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا