مقالات

غزوة بدر الكبرى…الإيمان بالله رغم ظروف الواقع  

 

 

حازم الكرماني

 

تعد غزوة بدر من أهم المعارك في التاريخ، فقال المؤرخون أنها كانت أشبه بتأثير الفراشة على العالم، فقد نتج من انتصار المسلمين في هذه المعركة على المدى البعيد سقوط دولة الفرس و سقوط دولة الروم و وصول فتوحات المسلمين إلى بلاد السند و الهند شرقًا و الأندلس وفرنسا غربًا، ولكن هل حقًا كانت معركة صغيرة أم كانت ملحمة حربية كبرى !؟

هل كان الأطراف هم المسلمين وكفار قريش، أم كان هناك أطراف أخرى لم نراها !؟

 

أسباب الغزوة

 

بعد نجاح هجرة الرسول صل الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة بعد هجرة عدد من المسلمين مع الرسول صل الله عليه وسلم والابتعاد عن بطش وتعذيب المشركين، ترك المهاجرين أموالهم وممتلكاتهم في مكة وجاءوا إلى المدينة وهم لا يملكون إلا إيمانهم والرسول، وكان قد وسوس الشيطان – اعوذ بالله منه – إلى كفار قريش بأن يقتلوا الرسول أثناء الهجرة ولكن فشلوا فكانت هناك نار الانتقام تشتعل في صدورهم، فقد اظهرهم سيدنا محمد على أنهم ضعفاء جدًا وكانت هذه تعد إهانة كبيرة لسادة قريش .

فاتخذوا قرارًا بأن يسرقوا أموال المهاجرين ويرسلوها إلى الشام للتجارة بها، فجهزوا قافلة بقيادة السيد المخضرم الذكي أبي سفيان الذي كان يعرفه الناس بالدهاء والذكاء الشديد .

 

وقد طلب أبي سفيان شيء في غاية العجب، طلب أن يرافقه في هذه القافلة 40 رجل فقط!!

 

وكان هذا نوع من الاستهزاء بالمسلمين الذين كانوا يعيشون في المدينة وسط حصار اقتصادي وسياسي طوال أول عامين من الهجرة .

 

وعندما وصل للرسول صل الله عليه وسلم خبر القافلة جهز 200 رجل لاعتراضها في منطقة ذات العشير التي تقع في خط سير قافلة أبي سفيان، ولكن وصلوا المسلمين في وقت متأخر فقد مرت القافلة من هذا الطريق ولكن منذ أيام وهي الآن في طريقها للوصول إلى الشام، فعاد الرسول إلى المدينة ومعه ال200 رجل .

 

وانتظر حتى العام الثاني من الهجرة، وأرسل فرقة استطلاع مخابراتية متكونة من طلحة بن عبيد الله و سعيد بن زيد، ليعلموا ما أخبار القافلة وهل ستخرج قريبًا إلى طريق العودة إلى مكة!؟

 

التجهيزات العسكرية لخير البرية

 

فتحرك طلحة بن عبيد و معه سعيد بن زيد إلى منطقة الحوراء التي تقرب من قافلة أبو سفيان وشاهدوا قافلة أبو سفيان، ولكن أبو سفيان لم يكن بهذه السذاجة، فقد كان من أذكى وأدهى سادة قريش، فقد أرسل رجاله يراقبون الطرق ليعرفوا هل من متتبع أو متربص لهم، فقد كانت قافلته من أكبر القوافل حيث كانت محملة ببضائع حمولة ألف بعير وقدرت قيمتها بخمسين ألف دينار يحرسها الأن سبعون رجلاً وعندما أدرك أبو سفيان أن هناك قوات استطلاع من المسلمين أحس الخطورة فأرسل إلى مكة يطلب الدعم من أبي جهل فأسرع أبي جهل في حشد 950 مقاتلاً لحماية القافلة.

أما في المعسكر الإسلامي

أكمل طلحة بن عبيد الله و سعيد بن يزيد،و كلاهما من المبشرين بالجنة طريقهم إلى المدينة لكي يبلغوا الرسول صل الله عليه وسلم عن خروج القافلة في الطريق إلي مكة وعودتها من الشام بمال المسلمين، ففتح الرسول باب التطوع لمحاربة الكفار وكان الرسول لم يعلم بعد أن المشركين قد حشدوا هذا الحشد الكبير وإلا كان أعلن حبيبي صلوات الله وسلامه عليه التعبئة العامة لكل من يستطيع القتال في الأمر الآن يتعلق بالدين كله ليس فقط القافلة .

وقد جمع الرسول 313 مقاتل منهم 83 من المهاجرين 61 من الأوس و 170 من الخزرج .

 

طبول المعركة

وبعد أن خرج أبو جهل على رأس حشده وتوجه إلى القافلة كان أبي سفيان قد قام بمناورة جيش المسلمين و هرب من يديهم، وهنا كان من المفترض أن تنتهي المعركة فالسبب الرئيسي لحشد أبو جهل جيش المشركين كان إنقاذ أبو سفيان والقافلة من يد المسلمين، والآن القافلة في طريقها للعودة، ولكن أبو جهل كان أشد الناس حقداً على الإسلام وأشد الناس كرهاً لمحمد صل الله عليه وسلم، ولم تكن القافلة تهمه كما يهمه القضاء على النبي والمسلمين، فرغم عودة أبو سفيان إلى مكة إلا أنه قرر أن يكمل مسيرته ويقابل جيش المسلمين في بدر وقال لأبي سفيان حين طلب منه العودة : “والله لا نرجع حتى نرد بدرًا فنقيم فيها ثلاثًا ننحرم الجزور ونطعم الطعام، ونسقي الخمر، وتعزف علينا القيان وتسمع العرب بنا و بسيدنا و بجمعنا فلا يزالون يهابوننا”

وهذا يعني أن أبو جهل كان يفكر في ضرب المسلمين ضربة لا يقوم لهم بعدها قائماً .

 

أما الرسول فقد خرج من المدينة في الثامن من رمضان من السنة الهجرية الثانية، وقد قسم القوات عسكريًا أثناء السير كالأتي :

 

1- حرس مقدمة تسبقه دورية استطلاع متقدمة

 

2- الجسم الرئيسي ويتألف من

أ – سرية المهاجرين ورايتها مع علي بن أبي طالب

ب – سرية الأنصار ورايتها مع سعد بن معاذ

 

3 – حرس المؤخرة

 

وفي الطريق وزع الرسول 70 بعير على الجنود وكان هذا كل ما يملك المسلمين من بعير، وكان نصيبه صل الله عليه وسلم مع على بن أبي طالب ومرثد بن أبي مرثد الغنوي بعيرًا واحدًا يركبوه، وهذا مثال علي القائد العسكري الشجاع الذي يتقاسم مع جنوده كل شيء وهذه الحركة البسيطة قد أعلت روح الجنود المعنوية، فالقائد الذي يقتسم معك المركب و المسكن والمشرب، يتقاسم معك الموت في المعركة .

 

وعند وصول المسلمين وادي ذفران، جائهم خبر حشد أبو جهل، فطلب الرسول صل الله عليه وسلم مشورة أصحابه كعادته الكريمة، فكان المهاجرين يشجعون الرسول على خوض المعركة، ولكن الرسول كان يريد سماع رأي الأنصار الذين دافعوا عنه وجعلوه تحت حمايتهم والآن هو يسحبهم إلى حرب لا طاقة لهم بها، فقام سعد بن معاذ سيد الأنصار وقال لقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ماجئت به هو الحق وأعطيناك على هذه عهودنا و مواثيقنا على السمع والطاعة فامض يارسول الله ما أردت فوالذي بعثك بالحق أن استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك .

 

 

وعندما نزل الرسول بدر، فأشار عليه الحباب بن المنذر أن ينزل أدنى بئر الماء الذي يقضي حاجة جيش أبو جهل من الماء، وأن يأخذ ما يكفي المسلمين و يتلف باقي الآبار، كخدعة إستراتيجية للضغط على جيش أبو جهل .

أما عن جيش أبو جهل فقد تحرك بعجلة شديدة إلى بدر ونزل في ثنايا التلال الغربية من الوادي ليعيد تنظيم الجيش للمعركة وكانت قوته تساوي 950 مقاتلاً، من بينهم 100 فارس و 350 بعير وقد بدأ أبو جهل تنظيم قواته للقتال .

 

أرض المعركة

 

تمركز المسلمين في موقع دفاعي على الضفة الشمالية للوادي حيث آبار المسلمين السليمة بعد أن دمرت كل آبار الوادي، وأيضًا الضفة الشمالية كانت ذات أرض صلبة رملية وكان الركض عليها أمر بسيط جدًا و غير شاق .

 

وقسم الرسول صل الله عليه وسلم الجيش لثلاث أقسام ،وضع على رأس كل قسم قائد ثم قام بتعبئة الأقسام بالجنود،وجعل الصفوف متلاحمة دون إحداث أي خرق في الصفوف، واختار الرسول صل الله عليه وسلم مقر القيادة الذي يدير منه المعركة على تلة مرتفعة تشرف على موقع المعركة وكان قد أشار عليه سعد بن معاذ سيد الأنصار بهذا.

 

وبعد أن جهز الرسول الصفوف للقتال، أخذ يحث الجنود على أن لا يبدأ القتال إلا بأمر منه، وقال لهم أنه إذا حاوطكم العدو عليكم أن تتصدوا لهم بالنبل، وقد اتخذ الرسول الموقف الدفاعي نظرًا للتفوق الساحق لجيش العدو الذي يعادل 1:2 في القوة البشرية فقط وكان يملك جيش المسلمين اثنان فقط من الفرسان في مقابل 100 فارس للكفار.

 

اما الجيش القريشي فقد جهزوا خطة هجومية شديدة وكانت خطتهم مبنيه على السحق السريع لجيش المسلمين نظرًا لما يتفوقون عليه فيه من عدد الجنود وعدد الفرسان، ولكن بسببت الأمطار التي هطلت ليلة المعركة وحولت تلك المنطقة مما أدى إلى بطئ تقدمهم وأيضًا صعوبة القيام بالمناورات العسكرية الهجومية السريعة التي كانت هي أهم ما يعتمد عليه الكفار في خطتهم.

 

سير المعركة

 

بدأت المعركة صباح يوم 17 رمضان في السنة الثانية من الهجرة، وكان الالتحام الأول في هذا الصباح عندما تقدم الأسود بن عبد الأسد في عملية انتحارية هدم آبار المياه الخاصة بالمسلمين، ولكن التقطه حمزة بن عبدالمطلب وقتله .

 

بعد ذلك خرج ثلاثة من أقوى جنود المشركين وهم شيبة إبن ربيعة وعتبة بن ربيعة و الوليد بن عتبة بن ربيعة وطالبوا المبارزة، فخرج لهم ثلاثة من الأنصار، ولكنهم أصروا على أن يبارز هم من أبناء قبيلتهم، فخرج لهم علي بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطلب وعتبة بن الحارث .

وبدأت المبارزة وقتل علي الوليد بن شيبة بن ربيعة وقتل حمزة شيبة بن ربيعة، ولكن عبيدة بن الحارث وشيبة بن ربيعة قد تبادلا الضربات المميتة ومات كلاهما .

 

أثار مقتل ثلاثة جنود جنون المشركين فإنها لو بوابل من السهام الكثيرة علي المسلمين تمهيدًا لهجوم شديد على صفوفهم ولكن لم يكن هذا أنسب الحلول، فقد ثبت المسلمين بقوة وشجاعة تصدوا للهجوم ببراعة شديدة وشعر جيش المشركين بشيء من الخوف أدى إلى تراجع صفوفهم شيء فشيء، وهنا أمر الرسول بالقيام بالهجوم الإسلامي المعاكس والذي تفاجئ منه المشركين وبدأت صفوفهم بالتشتت من الدهشة وبدأ المسلمين في قتلهم واحدًا تلو الأخر ولكن كان اهتمام المسلمين بالسادة أكثر فقتل يوم بدر عتبة بن الوليد وأخوه وابنه، و أمية بن خلف، والكثير من القادة والسادة القرشين .

 

وفي وسط ميدان المعركة تقابل أبو جهل مع معاذ بن عمير الأنصاري وقد تشرف بقتل عدو النبي وعدو الإسلام الأول أبو جهل رغم صموده في المعركة وشجاعته النادرة إلا أن الباطل كان زهوقاً، وكانت آخر كلمات أبو جهل هي

“لقد ارتقيت مرتقى صعبًا يا رويعي الغنم”

 

بعد موت أبي جهل فر المشركين من ميدان المعركة وأخذ المسلمين بمطاردتهم، وفي المساء أخذ الرسول والصحابة بجمع الغنائم والأسرى، وهكذا غلب صبر وإيمان المسلمين غرور وغطرسة المشركين .

 

أن غزوة بدر كانت دليل على العقيدة الراسخة والإيمان بالله العلي العظيم و أظهر الصحابة يومها شجاعة لا مثيل لها، وكانوا يدافعون عن الدين حتى لا يقضي عليه الكفار فقط، ولا يعلمون أنهم غيروا التاريخ في يوم بدر، في يوم بدر فتح كتاب جديد للتاريخ !!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا