مقالات

ثقافةُ التيك توك وتأثيرُها على القِيَمِ المجتمعيَّةِ

 

طالب غلوم طالب
كاتبٌ وباحثٌ إماراتيّ

 

 

يُمثِّلُ الفضاءُ السِّيبرانيُّ أهمَّ إنجازاتِ ثورةِ المعلوماتِ التي سمحَتْ بتكوينِ العلاقاتِ الإنسانيَّةِ الافتراضيةِ وتوسعَتِها، مُتجاوزةً الحدودَ الزمانيةَ والجغرافيةَ، والتنوُّعاتِ الثقافيةَ والدينيةَ والعِرقيةَ بينَ الأفرادِ في إطارِ ما يُسمَّى بالمجتمعاتِ الافتراضيةِ، اندمجَتْ فيها أعدادٌ كبيرةٌ من مُختَلِفِ فئاتِ المجتمعِ، خاصةً فئةُ الشبابِ الذينَ يَظهرونَ بصورةٍ لافتةٍ على هذهِ التطبيقاتِ، وقد يَتعرَّضونَ لِمَخاطِرَ حتميةٍ مجهولةٍ، خاصةً مع نَقْصِ التوعيةِ، وفقدانِ الرَّقَابةِ الأُسَريةِ والمجتمعيةِ، وضعفِ عملياتِ التوجيهِ إلى خفايا هذا العالَمِ الافتراضيِّ العميقِ والمُتَشعِّبِ أفكاراً ورُؤىً وأهدافاً مجهولةً.
ومن بينِ تلكَ التطبيقاتُ التي ظهرتْ مُؤخَّرًا تطبيقُ (Tik ) الذي نالَ شعبيةً كبيرةً خلالَ السنواتِ الأخيرةِ، فقد تعدَّى مُستخدِمُوه (250 مليون) مُستخدِمٍ نَشِطٍ يوميًا حولَ العالَمِ، مُعظَمُهم من فئةِ الشبابِ الذينَ باتوا يتسابقونَ بشراسةٍ للمُشاركةِ فيه، ويتنافَسُ العديدُ منهم حولَ أعدادِ المُتابِعين من أجلِ جَنيِ المزيدِ من المالِ، ففئةُ الشبابِ في سِنِّ المُراهَقةِ يَنقُصُهم الكثيرُ من الخِبْراتِ الحياتيةِ، التي تُتِيحُ لهم الحُكمَ الموضوعيَّ المُجرَّدَ على ما يَتِمُّ بَثُّه عبرَ هذا التطبيقِ، ودونَ رقابةِ الفئاتِ العُمْريةِ الأكبرِ، ومن ثَمَّ فإنَّهم يَتلقَّونَ عاداتٍ وقيمًا وأفكارًا غريبةً عن بِيئَتِهم وثقافَتِهم التي يعيشونَ فيها؛ لِيكونَ هذا بدايةَ انحرافٍ سُلوكيٍّ، ويُصبِحَ معه من الصعبِ التخلِّي عن تلكَ الأفكارِ وآثارِها السلبيةِ، وبالتالي ومع انتشارِها بكثافةٍ تُصِيبُهم (حُمَّى الشُّهرَة) وحَصدِ عددٍ أكبرَ من المُشاهَداتِ بهدفِ تحقيقِ الثراءِ السريعِ، وفي سبيلِ ذلكَ قد يبتعدونَ تمامًا عن القِيَمِ الدينيةِ والاجتماعيةِ؛ لِيتحوَّلَ التطبيقُ إلى مَلهىً ليليٍّ للعُرِيِّ والإيحاءَاتِ غيرِ اللَّائقةِ، عبر مَقاطِعَ صَادِمَةٍ لبعضِ الشبابِ الذينَ يَتفنَّنونَ في استظهارِ مَوَاهِبِهم الرَّدِيئَةِ، ومن خلالِ كلِّ هذا بدأتْ ثقافةٌ جديدةٌ بالظهورِ بينَ أوساطِ الشبابِ يُمكِنُنا أنْ نُطلِقَ عليها اسمَ “ثقافةِ التيك توك”.
ومن ثَمَّ ينبغي التوجيهُ إلى خَلْقِ حوارٍ مجتمعيٍّ لِمُعالَجَةِ الظاهرةِ؛ لِوَضعِ استراتيجيةِ توعيةٍ رقميَّةٍ إلكترونيةٍ وأُسَرِيَّةٍ وإعلاميةٍ، تَهدُفُ إلى غَرسِ قِيَمِ ومبادئَ المجتمعِ العربيِّ لدى الشبابِ، وتوضيحِ مدى إساءَةِ مِثْلِ هذهِ التطبيقاتِ للقِيَمِ المجتمعيَّةِ في مُحاوَلةٍ لِمُحارَبةِ شَبَحِ الانحلالِ الأخلاقيِّ الذي يُهدِّدُ المجتمعَ، والكشفِ عن التغريبِ الإلكترونيِّ الذي يَتعرَّضُ له الشبابُ.

التدقيق اللغوي والمراجعة
أ. بدر الحسن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا