مقالات

الشبراوي: فرحة الإحتفال بالمولد النبوي نابعة من تمسكنا بالكتاب والسنة 

 

 

في تصريح خاص لموقع رؤية وطن ، قال المهندس/ محمد عبد الخالق الشبراوي شيخ الطريقة الشبراوية الخلوتية ، إن الحمد لله الذى أبدع الأكوان من نور جمال الحضرة المحمدية, وأودع المختار فى أصلاب الأخيار, وطهره من سفاح الجاهلية, حتى أضاء الوجود بطلعته البهية فى الثانى عشر من ربيع الأول على أكمل صورة مُرضية, فكان ربيعاً معطراً بأسمى آيات الحب لخير البرية, حضرة سيدنا محمد رسول الله وصفوة الكريم المنان, الأمانة التى أودعها المولى عز وجل فى قلوب عباده فكان إنسان عين وجودهم للوصول إلى حضرة القدس الإلهية, صلى الإله على النور الذى ظهر, لنا بشهر ربيع الأول اشتهر, أضاءت الأرض نوراً يوم مولده, وأصبح الكون من أنفاسه عطر. اللهم صل وسلم على حضرة سيدنا محمد وآله وصحبه وامنحنا يا إلهى الفوز بالنظر إلى وجهك الكريم ببركة حُب سيد الخلق أجمعين. اللهم آمين.

 

 

إن سطوع شمس الإسلام على الوجود بميلاد حضرة الرسول الأمين كانت غيث السماء على نار الفتن والشر فأخمدتها, وتقويض ومحو لآثار صروح الضلال, فانجلت غشاوة الأبصار, وتجلت نور البصائر, وتزكت النفوس, وتولد فى القلوب الإخاء والمحبة, ودب دبيب التعاون والتناصر,ونهضت الهمم, وأُقيم العدل,وتقاسم الناس سعادة النعيم بميلاد حضرة سيد الأنبياء والمرسلين, وتسابقوا فى السمو الروحى والإيمان ببركة بعثة المصطفى عليه الصلاة والسلام.

وليس بعجيب أن يظل المؤمنون من عهده صلى الله عليه وسلم وعهد صحابته نجوم السماء حتى الآن معقودة على حبه قلوبهم, مثلوجة بهديه صدورهم, فأثمر لهم ذلك رسوخ عقيدتهم وكمال إيمانهم, ففازوا بالخير فى دنياهم وأُخراهم.

 

 

إن منزلته الرفيعة صلى الله عليه وسلم خصه بها المولى عز وجل تكريماً لحضرته, وتعظيماً لشأنه وعلو قدره, وتنبيهاً لنا إلى القيام بواجب تعظيمه, ليحل بنا من الخير ما حل بالسابقين من نور البصيرة, وكمال الإيمان, والفوز بكل خير فى الحال والمآل. قالى تعالى:” فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” الأعراف 157 وقال:” وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ”الأنبياء107 وقال:”قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ”يونس58. وقال:” لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ” آل عمران164

 

 

إن ميلاد حضرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وإحياء هذه الذكرى الطيبة المباركة هو لطائف إسعافات إلهية تُهيج منا أفئدة نائمة, وقلوباً غافلة عن حبه صلى الله عليه وسلم, فتتسابق نحو اليقظة والإسراع بإحياء سنته, وتهيج شوقاً به, مؤتمرة بما أمر به, ومنتهية عما نهى عنه, حيث قال تعالى:”قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ”آل عمران31 وقال :” وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا” النساء69.

إن الاحتفال بمولد خير البرية ينبع من فرحة العبد بنسائم عبير الشوق لأنواره, وعلو ذوق العبد ووجدانه, وذلك بالالتزام بالكتاب والسنة بالاعتقاد التام بالألوهية والربوبية للحق سبحانه وتعالى, والاقتداء والتأسى والتعظيم بمقدار حقه صلى الله عليه وسلم, فقد سُئل سيدنا الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه وكرم الله وجهه: كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وأُمهاتنا, ومن الماء البارد على الظمأ” وما هذا إلا لتعلقهم وتخلقهم وتحققهم من محبته صلى الله عليه وسلم حيث قال:” لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين” وقال:” أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمة, وأحبونى لحب الله, وأحبوا أهل بيتى لحبى” وقال مبشراً:” يُحشر المرء مع مَن أحب”.

إن باب المحبة القائم باتباع الكتاب والسنة وتقوى المولى عز وجل سراً وعلانية هو ما تحيا به الأرواح بهذه الذكرى محتفلة ومحتفية بها, محتمية بشرعيتها حيث أشار إليها المصطفى صلى الله عليه وسلم بصيام يوم ولادته فحينما سُئل عن صيام يوم الإثنين قال:” ذاك يوم ولدت فيه” هذا وقد أثبت هذه الشرعية كثير من العلماء الأجلاء أمثال الإمام جلال الدين السيوطى رضى الله عنه في كتابه” حُسن المَقصِد في عمل المولد” محققاً فيه الرد على المنكرين, ومؤكداً على الالتزام بالكتاب والسنة في العمل بالاحتفال كمظهراً من مظاهر شكر المولى عز وجل على نعمته على الخلق بالرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم تعظيماً لقدره, ويكون ذلك باتباع ما اتبع والانتهاء عما نهى عنه, ومظاهر الالتزام وحقيقته بقراءة القرآن الكريم, ومذاكرة سيرته العطرة والدروس المستفادة منها فَهماً وعملاً وتطبيقاً, وإقامة العبادات بالفروض والنوافل, والصدقات, وحلق الذكر, والصيام, وإطعام الطعام, وإفشاء السلام, وإدخال الفرحة والسرور على العباد ظاهرة وباطنة, كل ذلك بما يرضى الله ورسوله دون انتهاك لحقوق الله علينا في الاحتفال أو الخروج عن سنته صلى الله عليه وسلم.

إن حقيقة ذلك تتحقق من أجل الفَهم الأمثل لصحيح الدين دون تشدق أو تنطع أو تشدد, لتنشرح الصدور برحمة الإسلام ورسوله الكريم للناس أجمعين, ويدرك القاصى والدانى حقيقة رحمة الله بخلقه, فيعلم الحق ويتبعه, ويدرك الباطل فيجتنبه, ويبتعد كل البعد عن مَن ضل فَهمه لحقيقة الإيمان, ويُعيد لروحه صدق التمسك بنور الإيمان, فيكون العبد صالحاً في نفسه, وفى مجتمعه, فتتجلى عليه الفتوحات الربانية, ويطرب فؤاده بحُسن الاتباع لحضرة المصطفى صلى الله عليه وسلم مَن ادخر دعوته لأمته وكان أحرص عليهم من أنفسهم فقال تعالى:” لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ” التوبة 128

وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه لما دعا للسيدة عائشة رضى الله عنها بقوله:” اللهم اغفر لعائشة بنت أبى بكر مغفرة ظاهرة وباطنة لا تغادر ذنباً ولا تكسب بعدها خطيئة ولا إثماً”قال لها :” أفرحت ياعائشة؟” فقالت” إى والذى بعثك بالحق” فقال ” إى والذى بعثنى بالحق, ما خصصتك بها من بين أمتى, وإنها لصلاتى لأمتى بالليل والنهار, فيمَن مضى منهم, ومَن بقى, ومَن هو آت إلى يوم القيامة, وأنا أدعوه والملائكة يؤمنون على دعائى”.

فاللهم إنا نشهدك أننا نُعظم باحتفالنا حبيبك, بالتمسك بكتابك وسنته العطرة داعيين أن تتم علينا فرحتنا بالنظر لوجهك الكريم ببركة حبه, وتُسقينا شربة هنيئة من يده الشريفة. وتنعم علينا بكمال الاستمساك بشرعيته المرضية, والوفاء بعهودك بكمال الانتساب إليه, معمرين الأوقات والأوطان بحُسن وأدب الطاعة, فائزين بشرف الشفاعة. اللهم آمين.

وصل اللهم وسلم على حضرة سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا