دقت أجراس العشرين .. كل عام و إلى اللَّه أقرب
كتب : أحمد فوزي
و ها قد أصبح الصبي شابًا راشدًا يعلو بأقدامه على بساط الدنيا ، كأنه لم يُخلق غيره في الحياة ، إلا أن نقطة المنتهى قد جعلته جاهلاً بأن لكل نهاية بداية جديدة ، فظل يحدق في بواطن الحياة علَّه يعرف أسرارها .
اليوم قد أكملت العشرين و لولا أن المعمريين من أهل الأرض أن مدحوا ذاك العمر لما اهتممت لأمره ، فقلما أشعر أنني أصبحت راشدًا رغم بنيتي الجسيمة و لحيتي الغزيرة إلا أن تلك الزخارف الرجولية لم تغنِ عن منع إخراج الطفل القاطن في مهجتي ، فما زلت أبكي و أبكي أتدحرج من بين سماء العاطفة و رواسي المنطق ؛ فلا العاطفة تشعر و لا المنطق يصدق .
و هنا أذكر من عمَّروا في العشرين من الصالحين .
فرأيت أن أسامة بن زيد قاد المسلمين قبلما يكون شابًا عشرينيًا .
و محمد الفاتح فتح أعظم أراضي الروم و هو بضع و عشرون عامًا .
فأين أنا من أسامة و أين أنا من محمد الفاتح ؟!
و لازلت أتفكر ما قدمت يدى ، يداي ما قدمت حتى أفخر بجسماني و شاربي و أقول لأهل الدنيا أنني شابٌ عشرنينيٌ ساهم في صلاح الأرض .
حتى إذا خضع لي ما قد ابتغت له نفسي شعرت بأنني مالك الدنيا و ما إن سقط ما كنت أملك إلا و هاجر الفرح .
عشرون عامًا الآن و ساعة العمر تدق أجراسه بما قد تبقى لي في هذه الأرض . فماذا فعلت طيلتها .
أما أول خمسة عشرة عامًا فقُل طفلٌ يبتغي الرجولة و ما قد تبقى من الأعوام الباقية فكانت في لهو و عبادة و التزام و حب و هوى و تشعب الأفكار و تشتت الطرق فما كاد طريقي أن يهتدي إلا و رأيت جسماني و شاربي و جامعتي قد أقروا أمام المجتمع و العالمين بأنني رجلٌ ناضجٌ يحمل براكين و حمم الطموحات و الشعور الملتهب .
فكم من مرة كنت مقبلاً على الحب و عدت من منتصف الطريق لحب زرع الندبات في كبدي .
و أكثر ما شغلني هذا العام أنني ها أنا و عيد مولدي صادف تمام القمر في كماله .
كأنما القمر قال لي لا تحزن فإنني مُوكلٌ بأن تأتنس بي ، فلا تكن في ضيق فأنا الصاحب و الحبيب .
و آه يا قمري مما حدث لي و لم أُخبرك به .
فإن الليالي قد تجمعت علي في ساعة واحدة ،
و رأيتني أتألم و أفرح و أترح و أسعد في نفس الساعة .
حاولت مرارًا أن أفهم الدنيا و الحياة. و الحقيقة ؛
فكلما اقتربت منها ظنًا أنني وصلت لدرجاتها العُلى وقعت على الأرض السابعة .
أظنني كبيرٌ على كلمة غلام و أعلمني صغيرٌ على كلمة خبير ؛ فلم أفهم من طباع الكون و البشر إلا ما قد ظهر لي ، و ما ظهر منهم ، من أقوالهم و أفعالهم و انعراجات وجوههم و رسومات بشاشتهم ، دون النظر ثانية واحدة لنواياهم .
كنت أصدق كل الظاهر و عندما أذنت كفة الحق أن تظفر رأيت أن كل الظاهر خداع و نفاق كالسُم في العسل .
ما شغلني يا قمري أنني أصبحت الآن شابًا عشرينيًا.
يضحك ضحك الرجال ، يقف وقوف الرجال ، و يتكلم قول الرجال ، فكل أولئك فروض عليّ ،
و لكن متاع الرجال أين ؟!
و هل لي أن أرى سيادة رغبتي لم تُشبع قط ، و أرضى ؟!
و إن أشبعت كل رغباتي ما ضابط التشبُّع؟!
حقيقةً أجهل كل الأجوبة و الردود و لكنني أقولها كلمة أُحاسب عليها :
إنني أشهد اللّٰه و أنا في عمر الفاتحين أنني أحببت الخير ،
و أحببت بأن أرى الكل في سعد و هناء ، و أحببت كل ما تسبب في رسم بسمتي رغم الأسىٰ .
فإنني و أن أغفلت عن ذكر ربي دون اعتراض أو جحود فذلك من قلة عقلي و ضميري و ليس قلة ديني و إيماني ،
و ما ابتغيت غير السعادة في الرضا ؛
فإنني لم أطلب السعادة كي أرضَ بل طلبت الرضا كي أسعد .
فاللّهم أسألك القرب إليك و أن تغير حالي و حال شباب المسلمين إلى أحسن حال .
فكُلُّ عام و أنا إلى اللّٰه أحب و أقرب .