التاريخ والآثارمقالات

المومياوات المصريه وطرقة فحصها رقمياً

بقلم/علي سرحان

ياسيد الآلهه .السلام عليك، ياأبى أوزوريس! سيكون لك جسمك ، لن تتعفن ، لن تصبح ديدانا ، لن تصبح رائحه كريهه ؟ لن تتحلل ولن تتحول ديدان فانا خبرى، واملك الجسد الى الأبد، لم أتعفن ،ولم أتحلل، ولم أتحول الى ديدان، ولم أذهب الى عين شو أنا موجود فعلا، أنا حى حقا، وأنا صلب ،وأستيقظت بسلام ، ولم أتحلل، ولم تدمر أمعائى، ولم يحدث لى ضرر، ولم تتحلل عينى، ولم تفكك عظام جمجمتى، ولم تصم أذناى، ولم تفصل رأسى عن رقبتى، ولم ينزع لسانى، ولم يقص شعرى ،ولم أفقد حاجبى ،ولم يمسنى سوء. جسدى صلب، لن يفنى ولن يختفى فى هذا البلد إلى الأبد)).

تعويذه لكى لا يتحلل الجسد من كتاب الموتى
الجسد سماه المصرى القديم (غت) ويعنى الجزء المادى المركب منه الأنسان ومن خصائص الجسم تعرضه للحياه والموت وكانت أهم أمانى المصرى القديم لجسده هو ان يعود سليما يمارس نفس الوظائف بعد الموت وان يحظى بالخلود.

وهنا نتسأل الى هذا الحد آمن المصرى القديم بالآخره !!
الأجابه نعم فقد رأى المصرى القديم الشمس تشرق فى الصباح وتختفى فى المساء لكنها لا تكاد تغرب حتى تعود الى الشروق فى صباح اليوم التالى ،ورأى النبات ينمو ويذبل ثم يعود للحياه مره أخرى فى الموسم التالى وهكذا كانت مظاهر الطبيعه توحى لمن يتأمل فيها بالحياه والموت ثم بالحياه مره أخرى كل ذلك أوحى اليه بفكره الخلود أو الحياه بعد الموت.

وهذه العقيده هى أساس الأديان السماويه إلا ان فكره المصريين القدماء أختلفت عن أديان السماء أذ رأى انه يتحقق الخلود أذا لم يتحلل الجسد وقالت عقيدتهم أن الموت لا يقطع الرابطه بين الروح والجسد فكل منها يعتمد على الآخر.

وكل تآكل فى الجسد بعد الموت يؤدى الى أن الروح لا تتعرف على الجسد. أذ يسرق من الروح جزءا. وتحلل الجسد يعنى فناء الروح ! ومن هنا نشأ فن التحنيط وقد حرص كل الشعب المصرى القديم على حفظ جسده بعد الموت .

فمن خلال ماتركه المصرى القديم من تراث نجد أنه كان على علم كامل بما مايحدث للجسد بعد الموت و حرص على عدم تحلل جسده فى العالم الآخر ورغب فى البقاء ورهب من الفناء فقام بتحنيط جسده ليجنبه الفساد ولتحقيق تلك الغايه سخر كل مايحيط به .

فقد وضع المحنطون فى أعتبارهم أن حفظ الجسد لا يقتصر على المعالجه الطبيه للجسد فقط بل لابد من وضع وسائل أضافيه لحمايه الجسد هذه الوسائل تضمنت وضع تمائم وأحجبه عباره عن أشكال صغيره توضع على اجزاء مختلفه من الجسد وتهدف الى إيقاف تحلله وفساده ولكى تتحقق القوه السحريه يجب قراءه الصيغه المكتوبه على الجسد.

المومياوات المصريه وطرقة فحصها رقمياً
المومياوات المصريه وطرقة فحصها رقمياً

ومر علم التحنيط بالعديد من التطورات لدى المصرى القديم على مر العصور وبلغ ذروته خاصه فى الأسره الواحده والعشرين لأن خطوات التحنيط فى ذلك العصر لم تعد مقتصره على التجفيف ولفائف الكتان فقط بل أضاف محنطو هذه الأسره خطوات جديده لم تكن موجوده من قبل أبرزت براعتهم وأستيعابهم لعلم التشريح فقد اعاد المحنطون النظر مره أخرى فى خطوات وطرق التحنيط السابقه بعد أن حدثت اضطرابات سياسيه انتشرت فيها سرقه المقابر من أجل البحث عن الكنوز المخبأه فقام اللصوص بقطع الأكفان ونزع الحلى والجواهر التى كانت توضع على جسد المتوفى.

وبدأت العوامل الجويه تتفاعل مع انسجه الجسد فأصابها التحلل فقاموا بتجميع هذه الاجساد فى مخابئ سريه من اجل معالجتها مره ثانيه واثناء قيامهم بهذه الأعمال بدءوا يتوصلون لنقاط الضعف فى أعمال التحنيط القديمه ادت الى تحلل الأجساد القديمه وحاولوا وضع حلول لها فكيف تستطيع الروح الوصول الى الجسد بعد أن ضاعت معالمه !!

ومن الدراسه لتطور علم التحنيط على مر العصورنجد أنه كلما تضاعف حجم الأقتصاد والأستقرار السياسى تضاعفت عنايه المصرى القديم بالموتى.

ورغم أهتمام المصرى القديم البالغ بحفظ جسده ليمنح روحه السلام والخلود فى العالم الآخر. إلا أنه مع الأسف منذ بدايه القرن السابع عشرحتى القرن التاسع عشر لم تمنح المومياوات المصريه القديمه الأحترام الذى تستحقه من النخبه الأوروبيه وخاصه بعد غزو الحمله الفرنسيه لمصر بقياده نابليون وأكتشاف حجر رشيد.

وتعرضت لأنتهاكات فى منتهى القسوه فقد كانت تسحق لبودره وتباع كدواء لا يقدر بثمن لعلاج كل الأمراض ويضاف اليها بعض زيوت النباتات لعلاج الألتهابات .

وقال رسامو القرن السادس عشر أن أضافه مسحوق المومياوات الى لوحاتهم يمنعها من أن تتشقق عندما تجف الألوان. وكان ملك أنجلترا يجمع التراب والمساحيق التى تتساقط من المومياوات ليحك بها جسده لتنتقل اليه عظمه القدماء .

وقد حذرت دائره المعارف البريطانيه الناس من شراء مسحوق المومياوات لأن مايباع هو جثمان المجرمين لا المصريين حيث كان يتم تحنيط المحكوم عليهم بالأعدام وبيعهم على أنهم مومياوات مصريه. وكان يتم فض اللفائف الكتانيه وأستخدامها فى صناعه الورق .

وفض لفائف المومياوات لأضفاء الأثاره على الحفلات الأرستقراطيه . وعندما تقدم العلم فى أواخر القرن التاسع عشر زالت فكره العلاج بمسحوق المومياوات ليحل محلها أستعمال المومياوات كسماد لخصوبه التربه.

ظلت اللآثار المصريه القديمه عامه والمومياوات المصريه خاصه فتره من الزمن تنتهك بطريقه أو بأخرى وتعرض للبيع فى صالات مزادات العالم وأصبحت المتاحف العالميه ممتلئه بالتراث المصرى القديم .

فلم يكن يوجد قانون لحمايه للآثار ولا تجريم الأتجار فيها ولا حيازتها أو أمتلاكها .

حتى صدر قانون حمايه الآثار 1983 والمعدل2010/2019ويعتبر هو أول قانون لحمايه وتجريم الآتجار فى الآثار.
ومن هنا بدء فجر جديد للحفاظ على التراث المصرى القديم بداخل أرض مصر ولكن مع الأسف تم ذلك بعد أن فقدت مصر جزء ضخم من تراثها لا يعوض .

وأعطيت الفرص للباحثين المصريين لدراسه الآثار المصريه القديمه وبخاصه المومياوات فقد سخرالباحثون فى العصر الحدبث كل التطور الذى طرأ على علم الآثار وعلم المصريات وأستخداموا تكنولوجيا القرن الواحد والعشرين فى أزاله اللفافات بطريقه أفتراضيه عن أجساد المومياوات دون الحاق أى ضرر بها أو باللفائف نفسها وحفظ المومياوات للأجيال القادمه وعرضها العرض اللائق بها بطريقه علميه سليمه جذابه فى سبيل تحقيق الهدف وهوتعريف الحضاره المصريه للجمهور وأظهار ركن هام من مجالات العلوم والعقائد الدينيه الجنائزيه .

وأستعان العلماء لتحقيق هذا الغرض بالعديد من الوسائل العلميه ولكن يعتبر من أحدث الوسائل المستخدمه لفحص المومياوات هو التصوير بالأشعه المقطعيه المحوسبه وتعود تسميتها الى كون هذه الطريقه تعطى صورا شعاعيه على شكل مقاطع للجسم وتتميز بوضوح عالى جدا للصوره وتظهر كل تفاصيل العظام بشكل متناهى الدقه وفيها يتم عمل صوره مقطعيه ثلاثيه الأبعاد بعد معالجتها بواسطه ببرامج حاسوبيه خاصه.

بعد الأنتهاء من معالجه الصور الناتجه يتم أضافه الألوان بهدف تسهيل التمييز بين الأعضاء المختلفه .

ويتم من خلال هذه الصور الحصول على معلومات أضافيه عن حياه وموت المومياء مثل تحديد العمر عند الوفاه والجنس والمشاكل الصحيه التى تعرضت لها أثناء الحياه والأسباب الجنائيه للوفاه أن وجدت وطريقه التحنيط فكان لنا عظيم الحظ أن نرى عن قرب مدى تطور الحضاره المصريه القديمه وانجازتها التى ابهرت العالم كما ستظل دائما بأنها أعظم حضارات التاريخ القديم.

اقرأ ايضا:-

ذكري فتح قبرص في رمضان

الآن تورينج

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا