مقالات

رؤية فنية لمسرحية موعد سري من فاعليات مهرجان الصيف الدولي

رؤية فنية: شاهندة شعيب

كانت وستظل الإسكندرية منارة العلم والثقافة، ليس فقط في مصر ولكن على مستوى الوطن العربي، فهي قلعة العلم والمعرفة، وملاذ المثقفين والأدباء على مر العصور، ولما لا ومكتبة الإسكندرية التليدة على أرضها، تعلن إنها كعبة العلم والفن ومحراب الثقافة.

رؤية فنية لمسرحية موعد سري من فاعليات مهرجان الصيف الدولي
رؤية فنية لمسرحية موعد سري من فاعليات مهرجان الصيف الدولي

ورغم ماسببته جائحة كورونا من تراجع دور المكتبة عن سابقها، وأثر الجائحة على النشاطات الفنية والثقافية إلا أن مكتبة الإسكندرية بدأت تستعيد عافيتها، إذ لم يمنعها الوباء العالمي من بدأ مهرجان الصيف الدولي لدورته التاسعة عشر.

حيث عُرض مساء الثلاثاء على خشبة القاعة الكبرى في مركز المؤتمرات، مسرحية “موعد سري” وهي مقتبسة عن رواية الأديب الياباني “كوبو آبي” بالتعاون مع المؤسسة اليابانية بالقاهرة.

أحداث الرواية

تستهل المسرحية بعرض راقص على موسيقى حزينة لإنسان يرتدي ملابس سوداء ضيقة، يجلس القرفصاء ثم بدأ يدور يمينا ويسارا ويذهب ويعود ولا يستطيع أن يعرف الطريق، في علامة واضحة على الصراع النفسي الذي يحدث داخل الإنسان بين الخير والشر، وينتهي العرض بذهاب الراقص مسرعا في طريق ما …

رؤية فنية لمسرحية موعد سري من فاعليات مهرجان الصيف الدولي
رؤية فنية لمسرحية موعد سري من فاعليات مهرجان الصيف الدولي

ليبدأ العرض التمثيلي بسؤال البطل الذي يُدعى “إنسان” لحارس أحد المستشفيات في منطقة نائية عن زوجته قائلا: “يا ناس محدش شاف مراتي؟ كانت جاية هنا في عربية إسعاف، جم خدوها الساعة اتناشر ونص بالليل أنا بصراحة مش عارف ازاي خالتهم يخدوها؟”
دون أن يحصل البطل على إجابة شافية من الحارس الذي يخبره بأنه هنا لا يسمع ولا يرى ولا يتكلم، ولا يحق له أن يعطي أي معلومة عن فقيدته، فيحدثه عن الضمير، ليرد الحارس بسرعة بديهة “ماجاش” في استسلام واضح للفساد الذي يعم المشفى التي من المفترض مشفى خاص.

رؤية فنية لمسرحية موعد سري من فاعليات مهرجان الصيف الدولي
رؤية فنية لمسرحية موعد سري من فاعليات مهرجان الصيف الدولي

ولكن فطرة الحارس الإنسانية جعلته يخبره بطريقة ما قد توصله إلى زوجته، وهي دخوله المشفى والوصول إلى طبيب الاستقبال في الفترة المسائية ذلك الشاب الوسيم، ليتلاعب الشيطان بعقله وتساوره الشكوك حول علاقة زوجته بالطبيب.
ينجح “إنسان” في دخول المشفى ومقابلة سكرتيرة نائب المدير وهي امرأة لعوب، توصله إلى مساعد المدير الذي بدوره يدعي الجهل بوجود زوجته، ليدخل الطبيب الشاب قائلا بهدوء لنائب المدير: “المريض في غرفة ١١١ مات” وارجع السبب إلى عدم الانتباه وإنه اخبر أهله إنه مات بسبب ارتفاع ضغط الدم.
ليتفاجأ بطلنا باللامبالاة وعدم احترام روح الإنسان في هذه المشفى الغريبة، التي رغم كونها خاصة إلا إنها تفتقد للمقومات اللازمة لتصبح مشفى، وتنتهي المقابلة بإنكار مساعد المدير والطبيب الشاب معرفتهم بمكان زوجته.

يستيقظ إنسان على صوت فتاة صغيرة تبكي في الغرفة المجاورة تخبره إنها ابنه مدير أمن المشفى، وتكشف له حقيقة أن هذه المشفى تُتاجر في الأعضاء البشرية، وأنهم قتلوا الطبيب الشاب بإبرة مخدرة، ومن ثم قاموا بأخذ كل أعضاءه وأن مصيره سيصبح كمصير أمها والطبيب وربما زوجته ماتت بالطريقة نفسها، بل أن مساعد المدير نفسه قاموا بأخذ كل عظامه وتثبيت جسده بغراء لاصق ليشك “إنسان” في سلامة الفتاة العقلية.
وفي اليوم التالي يقابل مساعد المدير “إنسان” الذي يخاف من هيئته ومرونة جسده، ليتأكد من صدق حديث الفتاة، يخبره مساعد المدير بأنهم قاموا برفد رئيس الأمن من منصبه وتعيينه مكانه وذلك بناء على رغبة السكرتيرة التي لا تنتهي رغباتها، ليتفاجأ إنسان بمنصبه الجديد الذي يفرح به كثيرا، حيث كان يرغب في أن يأخذ لقب المدير ففي سبيل الترقية كان ينافق رؤسائه، ويهمل زوجته لانشغاله بالعمل وها هو المنصب يجيء إليه دون تعب بل بمقابل مالي أعلى.
ينسى إنسان ما جاء من أجله وينهمك في منصبه الجديد ليتحول تدريجيا إلى واحد منهم وتترقى، السكرتيرة في منصبها لتصبح هي مساعد المدير، تنتهي المسرحية بمكالمة ترد عليها موظفة الاستقبال تخبر فيها المتصل بأن المشفى بها كافة الخدمات، وأن عنوانها سهل وتنسدل الستار على فكرة استمرار الشر.

إسقاطات

الرواية تدور في الإطار الخيالي الكابوسي، وملئية بالاسقاطات، وتوضح حقيقة ما يعتري الإنسان من صراع داخلي بين الخير والشر، وأن الإنسان يولد على الفطرة السليمة ولكنه تدريجيا يصبح ذلك الشخص الذي طالما كان يكرهه وينتقده.
لاسم الرواية نصيب من أحداثها، فلعل موعد سري إسقاط على لقاء الإنسان بنفسه ومواجهته بحقيقته بشكل سري وخاص، فذلك البطل الذي كان يبحث عن زوجته هو نفسه من أضاعها مرتين مرة باهماله لها من أجل منافقة رؤسائه في العمل حتى أنه لم يكترث أن يسأل أين ياخذوا زوجته في هذه الساعة المتأخرة؟
ومرة أخرى عندما انهمك في منصبه الجديد في المشفى، ليستسلم إلى نفسه الشيطانية، وهكذا هو حال الإنسان فكل فاسد شرير إذ التقيته صغيرًا يخبرك أنه يحب الخير ويريد أن يكبر ليعمر الأرض و يساعد الإنسان، لتحوله الدنيا والتي جسدتها “السكرتيرة” إلى ذلك الشيطان عندما تغريه بالمال والمنصب.

رؤية فنية لمسرحية موعد سري من فاعليات مهرجان الصيف الدولي
رؤية فنية لمسرحية موعد سري من فاعليات مهرجان الصيف الدولي

نظرة نقدية

الرواية في مجملها تدعوك للتوغل في أعماقك لتلتقي ذاتك وجها لوجه، وتواجهها بكل ما فيها من ندوب.
أتقن فريق التمثيل أدوارهم لدرجة تنسيك أنهم ممثلون، كذلك الملابس التي جاءت تتفق إلى حد ما مع انبعاثات الشخصية النفسية، السكرتيرة وملابسها الجريئة، الفتاة ابنة مدير الأمن ولبسها الذي يعكس براءتها، وأخيرا “إنسان” الذي جاءت ملابسه البسيطة والغير مهندمة بعض الشيء دليلًا على التشتت والضياع.

الحوار: يؤخذ على المسرحية طول الفقرة الحوارية التي أصابت المشاهد في الكثير من الأحيان بالملل، مقارنة بالأحداث القليلة، فبعد انتهاء المسرحية تستطيع أن تتذكر عدد مشاهدها بسهولة، عكس الفقرات الحوارية الطويلة حد الملل لدرجة إنك تلاحظ إعادة نفس المعاني بكلمات مختلفة، فحوار إنسان مع الحارس يشبه حواره مع مدير الأمن والطبيب والسكرتيرة مع بناء بسيط في الأحداث في كل مرة تكاد لا تنتبه له من فرط الاستطراد.

السرد: رغم طول الحوار إلا إنه جاء متماسكا لا يخلو من الحس الفكاهي واستخدام “الفلاش باك” جاء موفقا يلائم الطبيعة المسرحية دون أن يحدث لبس في ذهن المستمع.

النهاية: تبدو متناقضة بعض الشيء، ففي الأحداث الأخيرة استطاع مدير الأمن السابق والحارس وإنسان مهاجمة مساعد المدير والانتصار عليه، في دلالة مباشرة على انتصار الخير على الشر، أما في المشهد الختامي نجد موظفة الاستقبال تُملي عنوان المشفى لمتصله دليل على استمرارية الشر، مما حير المشاهد فكيف هزم الشر المتمثل في مساعد المدير داخل المشفى، بينما الأمور تسير على ما يرام خارجها، هل هي الرغبة في تقليد النهايات الأمريكية في قصص الرعب أم أن الكاتب أراد توصيل فكرة ما من هذه النهاية المتناقضة.
يذكر، أن المسرحية من بطولة : محمد الهواري، أحمد سمير، هدير الهنداوي، نشوى مرجان، محمد طارق، أمجد زيتون، أميرة خالد.
اداء وتعبير حركي: عبد الباعث الزهري
وتنفيذ موسيقي: محمد طارق.
إضاءة: محمد المأموني
إدارة مسرحية: جاسمين سعيد
مساعد مخرج: أحمد مراد
إخراج: شريف حمدي

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا