تقارير وتحقيقات

تحليل نقدي لمسرحية سوشي ميديا

بقلم:د. زينب السقا 

بعد فترات الحظر المتوالية والمتكررة والمكئبة ومنع معظم الأنشطة والفعاليات الثقافية .. يطل علينا أبطال مسرحية سوشي ميديا علي خشبة مسرح أكاديمية الفنون .. مع مجموعة رائعة من الأبطال المحترفين ومن الشباب الصاعد لتقديم هذا العرض والذين عملوا جميعا متطوعين بدون مقابل بل إنهم تحملوا الكثير من الجهد والارهاق المادي والمعنوي تقديراَ للفن ولقيمة البحث العلمي الفني الأكاديمي.

مسرحيه سوشي ميديا
تحليل نقدي لمسرحية سوشي ميديا

تعرضت المسرحية لعدة قضايا حياتية هامة جداّ وألقت الضوء على عدة مشكلات يعاني منها كل من به نفس وروح هذه الآونة …لتدق ناقوسا للخطر محاولةّ للبحث عن حلول ومقترحات لحل هذه المعضلة من خلال السخرية والكوميديا تارةً والجد والتحليل تارة أخري. أولها كان تٱثيرات الميديا والتربية وعلاقة الأبناء بالاباء والعلاقات داخل الأٰسر وبين الأصدقاء شباباُ كانوا أو سيدات مختلفات العمر .

النص المسرحي مأخوذ عن مسرحية للكاتب البريطاني ديفيد استوري نقلها د.أيمن عبد الرحمن للعربية واضعًا رؤيته وتصوره للتأثيرات الاجتماعية والثقافية والأخلاقية التي أحدثتها السوشيال ميديا في الوطن العربي وعلي الشخصية المصرية بجميع مستوياتها .
الاخراج المسرحي أبدع المخرج أيما إبداع في عرض قضيته علي خشبة المسرح منذ اللحظة الأولى من العرض طلب من الجمهور إغلاق الهواتف لتجد الممثلين من أول لحظة لا تفارق أيديهم الهواتف . كما يحدث فيما بيننا الان . واستطاع بخبرته في القطاع الخاص .المعتمد علي البهجة والكوميديا. أن يقدم عملّا يبدو خفيفا لكنه يحوي الكثير فكرياّ وثقافياً واجتماعيٌا بأقل أقل المتاح من إمكانيات الأكاديمية في مشروع التخرج . ليخرج عملٌا فنيا متوازنا بين العقل والفكر والكوميديا والبهجة .
واعتمد على قوة أداء الممثلين واحتراف البعض من الممثلين كبار القامة وأصحاب التاريخ المشرف في العمل المسرحي. وحاول الموازنة بين أداء المبدعين الكبار والشباب الذين يحتاج بعضهم إلي التدريب والصقل. ليقدم عملا مبهرا مليئا بالضحك والكوميديا والفكر والتحليل والتناقض ليطرح قضايا حياتية واقعية معاشه في كل بيت وداخل كل شخصية فينا.

فقد جاء الديكور متواضعا جدا نظرا لفقر العملية الإنتاجية والتطوع من الجميع فالديكور لم يكن معبرٌا عن المكان الذي تدور فيه أحداث المسرحية ولا عن روح العمل الفني -فلا توجد أية إشارة معبرة عن المكان ..المصحة-. فالكراسي موزعه في مساحات ضيقة جدا مما أثر سلباِ على حرية حركة الممثلين .
كانت الإضاءة منوعة ومعبرة عن حالات التخبط والعشوائية في نفوس الشخصيات المضطربة من حيث إضاءات ساطعة متوهجة أو تبعد مسافة عن الممثلين ذلك باختلاف الالوان لإظاهر الحالة النفسية المضطربة لشخصيات العمل المقدم.
الموسيقي المصاحبة بداية من الثواني الأولي للعرض الموسيقى المصاحبة بدت واضحة مخيفة نوعا ما لتهيأ المتلقي لخطورة الموضوع الذي سُيقدم للمتلقي . استخدام بعض الأغاني في العرض المسرحي أغانٍ حديثة وشبابية جدا وكان لها تأثير في تمايل الجمهور طربا وبهجة بهذه الاغاني في حين أن عرضها جاء ليعبر عن حالة التدني الفني الذي وصلت إليه الاغنية العربية والذي صاحبه رقصاَّ من الفتاة المستهترة الضائعة.
الصوت في ظل الحضور الكثيف فلم يكن هناك كرسي فارغ كان يتوجب أن تكون السماعات موجودة في الاتجاهات الاربع كي يكون الصوت واضحا للجميع .
انضباط الإدارة المسرحية علي خشبة المسرح عمل الجميع بدقة متناهية ربما لكثرة البروفات. مثل الموسيقي كانت منضبطة بلا تقطع أو تأخر عن موعدها أي جاءت موائمةً لإحساس المتلقي عمل الممثلون جميعهم قدر طاقتهم على الحركة بدقة متناهية أثناء العرض من حيث دخولهم وخروجهم بفواصل محددة .

أبطال العمل

تحليل نقدي لمسرحية سوشي ميديا
تحليل نقدي لمسرحية سوشي ميديا

جاءوا متنوعين شاملين مختلفين من كل الطبقات والمستويات . فمن حيث العمر تجد الشباب وكبار السن
من حيث الطبقة الاجتماعية تجد الطبقة الراقية والطبقة المتوسطة وما فوق المتوسطة
من حيث التنوع الاجتماعي تجد الاب والأم والزوجة والأصحاب والأصدقاء رجالآٰ وسيدات
من حيث الوظائف. تجد رجل الأعمال الطبيب . شخصيات لم يلق عليهم الضوء من حيث وظائفهم . ربما للإشارة لطغيان السوشيال ميديا علي كل مستويات الحياة.
أما عن شخصيات العمل . فيما يلي عرض لبعض الشخصيات ليتضح منها الرؤية الفنية للعمل المسرحي والقضايا المطروحة داخل العمل الفني ..

1-الاب .ذو الفقار . مفيد عاشور بأدائه المتميز وامكانيات صوته المعبرة والقوية والمتباينة في كل مشاهد المسرحية كان رجل الأعمال الشهير الذي يبحث لابنته عن عريس لديه ما يناسب مستواه من الإمكانيات المادية

2- الام .نازلي زهرة إبراهيم الزوجة ممثلة بارعة استطاعت أن تلعب دور الأرستقراطية بملابسها وحُليُها. كانت الزوجة الموجودة في بعض البيوت .. ربما مصابة بالإهمال في تربية ابنتها والتي تطلق لها الحرية الكاملة دون ضوابط ولا ٱدني مراقبة … لحين حدوث الكارثة.

3- الابنة. ندي عصام سمسة ممثلة شابة واعدة عملت قدر استطاعتها وفي ظل الإنتاج الزهيد أن تلعب دور البنت التي تحيا بلا رقابة مستهترة استخدمت الميديا بلا مسئولية حتي أضاعت مستقبلها وأجادت في إيصال الهدف من الشخصية بعذوبة ٱدائها ورقتها.

4- الأصدقاء في النادي الشخصيات فكري ونظمي وهم أحمد مختار ورفيق الريحاني مجموعة شباب شديدي الواقعية تستطيع أن تراهم في كل مكان تذهب إليه في المقهي في النادي في الجامعة في الطرقات في وسائل المواصلات.. لا يشغلهم سوي نقل المعلومات من المصدر الاوحد والأول لديهم…. الميديا.

الشاب الهاكر العريس ياسر رفاعي شاب من طلاب المعهد الواعدين سيكون له مستقبل مبهر في مجال التمثيل خاصة الكوميديا. يذهب لخطبة الابنة مستغلا قدراته المسممة في تهكير الحواسيب والهواتف حتي يبتز الأُسر الأرستقراطية للحصول على المال.. وينجح في ذلك مرات عديدة

تحليل نقدي لمسرحية سوشي ميديا
تحليل نقدي لمسرحية سوشي ميديا

6- سيدات النوادي ماجي وشاهي شيماء نصار. عايدة فهمي بأدائها المتميز التي عبرت ببراعة عن فئة من السيدات فارغات العقل  التي فلا تستحي الواحدة منهن أن تحب ابن صديقتها الذي يصغرها بعشرات السنين وتخرج معه وتقيم معه علاقة شبابية متناسية عمرها الحقيقي ورغبة منها بالقول للزمان إرجع يا زمان … للإشارة العلاقات المختلة والانتكاسة الأخلاقية التي أظهرتها الميديا.

7- الطبيب السجيني ا.ياسر ماهر فنان قدير بأدائه البديع المتميز وروعة إلقائه ووضوح مخارج كل حرف حيث الاحتراف والتمرس علي خشبة المسرح. أبدع في الكوميديا والسخرية بحركاته وجمله وتعبيراته الخاصة كانت شخصية رئيسية محورية متطورة. مختلفة متناقضة تبدو لأول وهلةٍ بأنها الشخصية المتزنة الوحيدة داخل العمل. ظهرت محللة لكل ابطال العمل وأحداثه تظهرلتقول تعليقاٌ وتعطي تحليلا أو مبررا وتختفي . وتغيب وكأنها استحضار لهؤلاء الخطباء الدجالين الوعاظ الذين يظهرون أمامك فى جميع مجالات الحياة رجال دين ساسة محللين نفسين عظماء التنمية البشرية خبراء في كل المجالات الذين يعتمدون على البلاغة الجوفاء ومخاطبة مشاعر الجمهور للسيطرة علي عقولهم ونيل ٱكبر المكاسب منهم.
في حين ان كل ابطال العمل كانوا علي خشبة المسرح .حيث يظهر عمقها في تناقضها في أدائها الصارم الجاد بجمل كوميدية عندما تحاول تبرير التحرش بشكل فكري كوميدي في آنٍ واحد بإيجاد مقترحات هزلية ساخرة بتوليفة ساحرة بين الآداء والفكر والكوميديا.
حتي تأتي لحظة الاكتشاف والكشف حين يدخل خشبة المسرح بملابس غير مهندمة ويأخد قرصا من الأدوية… حينها يسقط القناع وتكتشف أنه أيضا مريض نفسي في مصحة نفسية لعلاج إدمان السوشيال ميديا … إشارة وتلميحا صريحا أنه سيكون مأوانا الأخير ان لم ننتبه . ونضع ضوابط وحدوداً للحد من استهلاك الوقت والمعلومات وضبط العلاقات.

شكراّ لصناع هذا العمل الذي نأمل بهم أن نعيد أمجاد المسرح المصري والفن الهادف الراقي . حيث قضينا معهم ليلة ممتعة مسلية امتزج فيها العقل والفكر بالكوميديا والهزل.

إقرأ أيضا:

هبة مجدي تستعيد ذكريات مسلسل الأخ الكبير: ” وصل لقلوب الناس من غير دعاية إلكترونية “

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا