تقارير وتحقيقات

وعد بلفور وأثره إلى وقتنا الحالي

 

ياسمين خالد

 

نذكر، جميعا، القرار المجحف للرئيس ترامب الزاعم بأن مدينة مدينة القدس (الفلسطينية) عاصمة للكيان الصهيوني المحتِل للأراضي الفلسطينية، وذلك بعد مائة عام من وعد بلفور. نجد أن هذا القرار كان بمثابة شكر للكيان الصهيوني على فوز ترامب برئاسة البيت الأبيض في أولى جولاته خلال الانتخابات. يرجع البعض سبب هذا الإعلان إلى وعد بلفور الذي مضى عليه قرن من الزمان.

وعد بلفور وأثره إلى وقتنا الحالي
وعد بلفور وأثره إلى وقتنا الحالي

بعد إعلان المملكة المتحدة الحرب على الدولة العثمانية في نوفمبر ١٩١٤، بدأ مجلس وزراء الحرب البريطاني في النظر في مستقبل دولة فلسطين. يمكن إرجاع أول مفاوضات حقيقية بين البريطانيين والكيان الصهيوني إلى مؤتمر فبراير عام ١٩١٧، بحضور السير مارك سايكس، والقيادة الصهيونية، وأتى بعد هذا المؤتمر نقاشات أدت إلى طلب بلفور في ١٩ يونيو من روتشيلد وحاييم وايزمان بتقديم مشروع إعلان عام. ناقش مجلس وزراء بريطانيا مشاريع واقتراحات مع مُداخلات صهيونية وأخرى مُعادية للصهيونية، لكن دون أي تمثيل للسكان المحليين لفلسطين. بالفعل تم الإعلان النهائي لوعد بلفور بحلول ٣١ أكتوبر ١٩١٧، في نفس اليوم الذي انكسرت فيه حالة الجمود الفلسطيني بقيام معركة بئر السبع…فما هو وعد بلفور؟ وما هو أثره إلى وقتنا الحالي؟

وعد بلفور

نص وعد بلفور على: (إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، ستبذل قصارى جهدها لتحقيق هذه الغاية على ألا يجري أي شيء قد يؤدي إلى الانتقاص من الحقوق المدنية والدينية للجماعات الأخرى المقيمة في فلسطين أو من الحقوق التي يتمتع بها اليهود في البلدان الأخرى أو يؤثر على وضعهم السياسي). بهذه الكلمات أرسل أرثر بلفور، وزير الخارجية البريطاني، إلى روتشيلد، المصرفي البريطاني وأحد زعماء اليهود في بريطانيا، معبرا عن تعاطف بريطانيا مع الحركة الصهيونية لإقامة وطن لليهود في فلسطين.

تعتبر أولى كلمات وعد بلفور بمثابة أول تعبير عام عن دعم قوة سياسية كبيرة ببريطانيا للصهيونية، ولم يكن لمصطلح “وطن قومي” أي سابقة في القانون الدولي، وتعمّد الإعلان وضع المصطلح غامضا دون الإشارة إلى إقامة دولة يهودية في فلسطين، حيث لم يتضمن الوعد كلمة “دولة” بل تحدث عن وطن، مؤكدا على عدم القيام بأي شيء يمكن أن يمس الحقوق المدنية والدينية للجماعات الأخرى التي تعيش في فلسطين، بالإضافة إلى عدم تحديد حدود فلسطين. أكدت الحكومة البريطانية، آنذاك، أن عبارة “في فلسطين” تشير إلى أن الوطن القومي اليهودي لم يُقصد أن يغطي كل فلسطين.

وعد بلفور وأثره إلى وقتنا الحالي

امتلك وعد بلفور أثر كبير إلى وقتنا الحالي، حيث زاد من الدعم الشعبي للصهيونية في أوساط المجتمعات اليهودية في أنحاء العالم، وقاد إلى ظهور مصطلح ‘فلسطين الانتدابية’، كما تسبب وعد بلفور في قيام الصراع العربي الإسرائيلي، الذي يُعرف بأكثر صراعات العالم تعقيدا، ولا يزال الجدال حول الوعد قائما في كثير من النواحي إلى وقتنا الحالي. على الرغم من أن وعد بلفور لم يذكر، صراحة، تأييد الحكومة البريطانية لإقامة دولة لليهود في فلسطين، لكنه لعب دورا أساسيا في إقامة إسرائيل بعد ٣١ عاما من أي عام ١٩٤٨. بالإضافة إلى ذلك، ساهم وعد بلفور في تشجيع يهود القارة الأوروبية على الهجرة إلى فلسطين خلال الفترة ما بين الحرب العالمية الأولى والثانية، ذلك الوقت الذي شهدت القارة فيه صعودا للتيارات القومية المعادية للسامية.

في وقتنا الحالي، جاء إعلان ترامب المزعوم بأن القدس (الفلسطينية) عاصمة للكيان الصهيوني بالتزامن مع ذكرى مرور قرن من الزمان على وعد أرثر بلفور لليهود ببناء وطن قومي لهم بفلسطين، على اعتبار أن مرور قرن على بناء وطن قومي لليهود يجعل لهم حق في الاستيلاء على الدولة وعاصمتها دون النظر إلى الصراع القائم منذ قرن، ودون النظر إلى حقوق الشعب الفلسطيني في الاستقلال بدولته.

وعد بلفور وأثره إلى وقتنا الحالي
وعد بلفور وأثره إلى وقتنا الحالي

هذا هو وعد بلفور وأثره إلى وقتنا الحالي، ذلك الوعد الذي يعبر عن المبدأ الظالم ‘إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق’، وهو المبدأ نفسه الذي تبعه ترامب في وقتنا الحالي عند إعلانه بجعل القدس عاصمة للكيان الصهيوني، لكن ذلك كله سيظل محفورا في أذهان العرب باقتناع تام أن القدس عاصمة فلسطين، ولا يملك أحد الحق في توزيع الأراضي الفلسطينية وفق مصالحه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا