تقارير وتحقيقات

عبد الرحيم طايع يكتب: العيد وكورونا

 

عبد الرحيم طايع

 

أيام قليلة، ونكون في عيد الفطر، أعاده الله على الجميع بالخير والبركات، وهو عيد مختلف عما سبقه من الأعياد التي تلي رمضان الكريم، كما كان رمضان نفسه مختلفا عما قبله أيضا، عيد محاصر بفيروس كورونا اللعين، الذي ملأ أجواء العالم منذ ستة شهور، وحتى الساعة، لم يجد له العلم ولا الطب لقاحا ولا حلا يحجِّم توغله في الأمم والناس، وباتت معظم الدول في رعب من استمراره، وفي رعب أكبر من إمكانية تحوره وتطوره إلى شيء أخطر مما ظهر فعليا، فما كان ظهر نجا منه من نجا وهلك من هلك، والأخطر أن يظهر جيل من الفيروس لا نجاة من الهلاك به على الإطلاق.

العادة في عيدنا في مصر، أن ينتشر الناس في الشوارع والأندية والمتنزهات، متأملين الواقع ذي الشكل السعيد، وباحثين بين ملامحه عن بهجة حقيقية تمس قلوبهم المتعطشة إلى الفرحة، وأن يسافروا إلى مواطن الجذور، متوزعين في استخدام المواصلات العامة والخاصة، لكن الآفاق مغلقة في هذا العيد، والبيوت هي الساحات المقترحة للتواجد، البيوت مرة أخرى، ولا مناص من الصبر ومحاولات الرضا.

ارتفع عداد كورونا في الحقيقة منذ بدايات الشهر الحالي ارتفاعا ينذر بالخطر، وصل في بعض الأيام إلى ما يتجاوز ال700 مصاب، وصحيح أنه يتذبذب ويتراجع، لكنه يظل قريبا من رقم الألف الكبير الذي كان الملتزمون بالحظر يحذرونه، وكانت الحكومة، ممثلة في المؤسسة الصحية، تخشى حدوثه وتنبه الخلق عموما، خاصة اللامبالين، لأهمية ألا نصل إلى هذا المستوى الذي يدفع إلى التشاؤم دفعا، بينما نحتاج إلى التفاؤل لتعزيز مقاومتنا الجسدية والنفسية..

لا يمكننا هنا أن ننسب ما جرى للمتسيِّبين وحدهم، وإن كانوا يحملون الذنب الأكبر، لكننا نشير إلى أخطاء حكومية بالطبع، تسبَّبت هي الأخرى في ارتفاع العداد بصورة صادمة هكذا، ومن ذلك أن الحكومة ترددت في فرض حظر كلي ولو لأسبوعين أيام كان مثل ذلك الإجراء لازما، وأنها تقاعست عن التوسع في المسحات الطبية لشريحة عامة كبيرة من المواطنين لتكون أكثر إحاطة بحالتنا وتكون تقاريرها أكثر دقة، وأخيرا أنها لم تخلق أماكن كافية لاستيعاب المصابين، حتى امتلأت الأماكن التي كانت متاحة، وصار المرض مسؤولية المريض حيث كان، بما في ذلك من عواقب كارثية عليه شخصيا وعلى مخالطيه من أهله وجيرانه.

على كل حال فإن الفرصة لا زالت في أيدي الناس والحكومة لتدارك ما فات بسرعة وحسم وإتقان، وبلا أدنى تلكؤ ولا مجاملة ولا خَبَال، ومهما يكن العداد مرتفعا عندنا الآن إلا أننا ما زلنا أحسن حالا من كثيرين ممَّن حولنا.

شَّددت الحكومة إجراءات الاحتراز، بمناسبة العيد، كأنها تقول لو كان الوضع أفلت من الأيدي قبل العيد فإن العيد نفسه يجب أن يكون هو موعد الانضباط التام. على كل حال سيظهر في أيام العيد الثلاثة، مدى تمسك الناس بالخيار الآمن، خيار الانعزال حيث يعيشون، وسوف يظهر فيه مدى سيطرة الأجهزة الحكومية على مظاهر التبسُّط والتَّرخُّص المحتملة من جماعات المعيِّدين غير المنضبطين، والتي يمكن أن تكون نتيجتها ضررا كبيرا له تكلفته المعنوية والمادية الرهيبة، يعود عليهم أولا وأخيرا، لكن بعد أن يُلحِق بمجتمعهم وبلادهم مصيبةً كبرى.

يعكس احترامنا جميعا لأساليب الوقاية والحماية، في يوم عيد، أملا في احترامنا البالغ لها في الأيام العادية، لأن العيد أوقات حرية ومرح، فإذا نجحنا في أيامه أن نستسيغ القيد الضروري، فسنكون أكثر استساغة لمثل هذا القيد اللازم فيما عداها بالبداهة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا