مقالات

العقل السليم..فهم ومعالجة الصحة النفسية في المجتمعات العربية 

العقل السليم..فهم ومعالجة الصحة النفسية في المجتمعات العربية

 

كتبت- كريمة عبد الوهاب

تعتبر الصحة النفسية هي حالة من الرفاه النفسي تمكّن الشخص من مواجهة ضغوط الحياة، وتحقيق إمكاناته، والتعلّم والعمل بشكل جيد، والمساهمة في مجتمعه المحلي كما أنها جزء لا يتجزأ من الصحة والرفاه واللذين يدعمان بشكل كبير قدراتنا الفردية والجماعية على اتخاذ القرارات وإقامة العلاقات وتشكيل العالم الذي نعيش فيه والصحة النفسية هي حق أساسي من حقوق الإنسان وهي حاسمة الأهمية للتنمية الشخصية والمجتمعية والاجتماعية الاقتصادية.

 

ولا تقتصر الصحة النفسية فقط على غياب الاضطرابات النفسية فهي جزء من سلسلة متصلة معقدة، تختلف من شخص إلى آخر، وتتسم بدرجات متفاوتة من الصعوبة والضيق، وبحصائل اجتماعية وسريرية ويمن المحتمل أن تكون مختلفة للغاية وتشمل اعتلالات الصحة النفسية الاضطرابات النفسية وحالات الإعاقة النفسية الاجتماعية، فضلاً عن الحالات النفسية الأخرى المرتبطة بالضيق الشديد أو ضعف الأداء أو خطر إيذاء النفس ومن المرجح أن يعاني الأشخاص المصابين باختلالات الصحة النفسية من تدنّي كبير في مستويات الراحة النفسية، ولكن لا يحدث هذا دائماً أو بالضرورة.

 

محددات الصحة النفسية

قد تتشكّل طوال عمرنا توليفة من المحددات الفردية والاجتماعية والهيكلية المتعددة لحماية صحتنا النفسية أو تقويضها وتغيير موقعنا في السلسلة المتصلة للصحة النفسية كما أن العوامل النفسية والبيولوجية الفردية مثل المهارات العاطفية وتعاطي مواد الإدمان والوراثيات يمكن أن تجعل الأفراد أكثر عرضة لمشاكل الصحة النفسية ويزيد التعرّض لظروف اجتماعية واقتصادية وجيوسياسية وبيئية غير مواتية بما في ذلك الفقر والعنف وعدم المساواة والحرمان البيئي من خطر إصابة الأفراد باعتلالات الصحة النفسية.

 

ويحتمل أن تظهر المخاطر في أي مرحلة من مراحل العمر، بيد أن تلك التي تحدث خلال فترات النمو الحساسة، ولا سيما أثناء الطفولة المبكرة، ضارة بشكل خاص فمن المعروف أن التنشئة القاسية والعقاب البدني يقودان صحة الطفل بشكل كبير وأن التخويف يشكل عاملاً من عوامل الخطر الرئيسية المتسببة في اعتلالات الصحة النفسية وبالمثل فإن ثمة عوامل وقائية تنشأ طوال عمرنا فهي تتيح تعزيز قدرتنا على الصمود، وتشمل مهاراتنا وسماتها الاجتماعية والعاطفية الفردية، بالإضافة إلى التفاعلات الاجتماعية الإيجابية والتعليم الجيد والعمل اللائق والأحياء الآمنة والتلاحم المجتمعي، وغير ذلك.

 

وتتمركز مخاطر الصحة النفسية والعوامل الوقائية في المجتمع بمستويات متفاوتة وتزيد التهديدات المحلية من شدة المخاطر التي يتعرّض لها الأفراد والأسر والمجتمعات المحلية، كما تزيد التهديدات العالمية من شدة المخاطر التي يتعرّض لها السكان ككل، وتشمل الركود الاقتصادي وفاشيات الأمراض والطوارئ الإنسانية والتشريد القسري وأزمة المناخ المتنامية.

 

كما يتسم كل عامل خطر وكل عامل وقائي بقوة تنبؤية محدودة ولا يصاب معظم الأفراد باعتلالات في صحتهم النفسية على الرغم من تعرضهم لعامل من عوامل الخطر، في حين أن العديد من الأفراد يصابون بها على الرغم من عدم تعرضهم لأي عامل خطر معروف فمحددات الصحة النفسية المتفاعلة فيما بينها هي التي تقوم بتعزيز الصحة النفسية أو تقوّضها.

 

تعزيز الصحة النفسية والوقاية من الاضطرابات النفسية

ترمي التدخلات في مجال تعزيز الصحة النفسية والوقاية من الاضطرابات النفسية إلى تحديد المحددات الفردية والاجتماعية والهيكلية للصحة النفسية، ثم التدخل من أجل الحد من المخاطر وبناء القدرة على الصمود وتهيئة بيئات داعمة للصحة النفسية ويمكن تصميم التدخلات خصيصاً للأفراد أو فئات محددة أو للفئات السكانية بأسرها.

 

كما أن إعادة تشكيل محددات الصحة النفسية غالباً ما تتطلب اتخاذ إجراءات تتجاوز نطاق قطاع الصحة، ومن ثمّ فإنه ينبغي أن تشمل برامج تعزيز الصحة النفسية والوقاية من الاضطرابات النفسية قطاعات التعليم والعمل والعدالة والنقل والبيئة والإسكان والرعاية الاجتماعية ويمكن لقطاع الصحة أن يسهم إسهاما كبيرا بدمج جهود التعزيز والوقاية في الخدمات الصحية؛ والدعوة إلى التعاون والتنسيق المتعدديْ القطاعات والشروع فيهما، وتيسيرهما عند الاقتضاء.

 

حيث تشكل الوقاية من الانتحار أولوية عالمية، وهي مدرجة في أهداف التنمية المستدامة ويمكن إحراز تقدم كبير في هذا المجال بتقييد الوصول إلى وسائل الانتحار، وعرض مواد إعلامية مسؤولة بشأن الانتحار، والتعلم الاجتماعي والعاطفي لدى المراهقين، والتدخل المبكّر ويعد حظر استعمال مبيدات الآفات الشديدة الخطورة تدخلاً غير مكلف وعالي المردودية بشكل خاص للحد من معدلات الانتحار.

 

ويعتبر تعزيز الصحة النفسية لدى الأطفال والمراهقين أولوية أخرى يمكن تحقيقها وذلك عن طريق السياسات والقوانين التي تعزز الصحة النفسية وتحميها، من خلال دعم القائمين على الرعاية في توفير الرعاية في مرحلة التنشئة، وتنفيذ البرامج المدرسية، وتحسين نوعية البيئات المجتمعية والإلكترونية وتعد برامج التعلم الاجتماعي والعاطفي المدرسية من بين أكثر الاستراتيجيات فعالية في مجال تعزيز الصحة النفسية للبلدان من جميع مستويات الدخل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا