مقالات

طرف ثالث

بقلم: فاطمة فوزي

أنظر إليهما وهما يتشاجران ومن الواضح أنهم لن يتفقا أبدا ،حدتهما في الكلام تدل على ذلك ولكن اقتربت منهما لأعرف سبب تلك المشاجرة لعل أستطيع المساعدة وحل ذلك الصراع.
تقدمت نحوهما وبدأت أنا الحديث قائلة بعتاب:ـ ألن تتوقفان عن تلك المشاجرات وذلك الصراع الدائم بينكما.
لم يتكلم أحدًا منهما فأكملت قائلة:ـ دعونا نتناقش وأكون طرف ثالث بينكما لعلنا نصل إلى حل لذلك الصراع الدائم وذلك الخلاف.
إعتبرت ذلك الصمت موافقة حتى ولو كان غير ذلك وقررت أن أكون أول من يبدأ الكلام ولكن لا أنكر خوفى من أن أفشل في إيجاد حل لهما واقحم نفسي فى مشكلة دون الوصول لحل ولكن لا فائدة من ذلك الآن ولنبدأ فنظرت إليهما وقلت:ـ ليخبرنى أحد ما سبب ذلك الصراع وتلك المشاجرة؟
تكلم الأول وقال:ـ هذا المختل يتحدانى ونسى نفسه ومن أكون أنا ليحادثنى بهذه الطريقة ولكنى لن أتهاون معه.
غضب الثانى من حديثه وقال:ـ ماذا ستفعل؟وهل تعتقد أننى سأخاف منك؟مستحيل أيها القاسي.
رد الأول بعصبية وقال:ـ واضح إننى تهاونت معك وهذا جعلك تعطى نفسك أهمية أكثر من اللازم ونسيت إنك وهم.
قال الثانى بغضب:ـ إذن أخبرني من تكون أنت ؟حتى أخاف منك.
هذه المرة غضبت أنا وقلت بنفاذ صبر:ـ كفى!!إن استمر الوضع هكذا سأرحل.
سكت كلاً منهما عن الحديث بضيق ولكنى لم أهتم وأكملت وأنا ناظرة للأول:ـ أجب على سؤاله وأنا سأسمع وفى النهاية سأقول رأى وحكمى.
نظرا إليِ بالموافقة وقال الأول بغرور وثقة:ـ أنا “الواقع” لي مكانتى ومقامى ويجب أن أنال الاحترام من الجميع وأولهم ذلك الأحمق ،فأنا حياتهم التى يعيشونها ويحاربون ليحصلوا عليها.
قال الثانى بسخرية:ـ واضح إنهم يحاربون ليحصلوا عليك مع إننى اعتقد إنهم يهربون منك ويلجأون إليِ أنا أيها الغشاش.
قال”الواقع”بغضب:ـ يلجأون إلى وهم وكيف هذا؟فلن يفعل ذلك سوى من فقد عقله فقط.
غضب الثانى ونظر ليِ فرفعت يدى وقلت:ـ لك الحق أن تدافع عن نفسك مثله.
رفع الثانى رأسه بشموخ وقال:ـ أنا “الخيال” الذى يعشقونه ويلجأون إليه دائما ليجدوا عندى ما يريدونه ويتمنوه كما خططوا له ويحبوننى ويكرهونك أنت لأنك متجبر وطريقك قاسى يصعب عليهم البقاء فيه.
قال”الواقع” معترضا على كلامه:ـ أنت سراب يهربون إليه ولكن لا تلمسه أيديهم أما أنا حقيقة يعيشونها ويجدون ما يتمنوه أمام أعينهم حقيقة وليس حلم.
رد “الخيال” بسرعة:ـ ولكنهم يبغضونك ويحبوننى فلا تنكر تلك الحقيقة.
قال “الواقع” بهدوء:ـ أى حقيقة تتحدث عنها وأنت ما علاقتك بها .فلا تنسي إنك خيال،حياة ترسم بريشة الأحلام وكلا منهم يضع ما يشاء فى لوحته ولكنها تبقى لوحة لا يراها سوى فى أحلامه وخياله لهذا يحبونك ولكن أنا واقعهم حتى ولو كرهونى فلن يستطيعوا أن ينفوا حقيقة وجودى على عكسك أنت يعرفون معرفة اليقين إنك وهم.
شعر “الخيال” إنه بدأ ينهزم وموقفه أصبح ضعيف فأردف بسرعة:ـ ولكن أنا أفضل ويحبونى أنا ويعيشون بي ويهربون منك فلماذا لا تعترف أنت بذلك؟
رد”الواقع” بتلقائية:ـ لإنك مخادع تخدعهم بتحقيق حلمهم وتجعلهم لا يعلمون حقيقة إنك وهم لا يجب أن يصدقوه أو يعيشون به كثيرا وعليهم مواجهة واقعهم،فأنا الباقى لهم والحقيقة وليس كذبة يلجأون إليها.
قال “الخيال” :ـ مع كل ذلك يعشقونى أكثر منك ويحبون تلك الحياة التى تسميها وهم.
ضحك “الواقع” وقال:ـ هكذا عدنا لنقطة الصفر ولن أعيد كلامى فليس عندى جديد فأنت لا تريد أن تعترف بهزيمتك أمامى فهذا طبعك أن تعيش بعالم الأحلام.
أراد “الخيال” أن يتكلم فقاطعته بإشارة من يدى فقد قال كلاهما ما عنده وجاء دورى أنا لأقول ما عندى أيضا وقلت:ـ أنتما على صواب ولكن تختلف المكانة والمقام وهذا هو الفرق
لم يفهما شئ فقلت موضحة:ـ الفرق إن كل واحد يريد أن يثبت أنه الأفضل ويجادل ويتطلع إلى مكانة أكبر ولم يهتم بما يملكه بداخل حياته ويجب أن يحافظ عليه فهو كنزه.
قال “الخيال”:ـ هل أفهم من هذا إنه اعتراف إننى أملك حياة مثل الواقع ولست وهم.
ضحك “الواقع” بسخرية وقال:ـ تريد أن يكون لك حياة مثلى ولكن هذا لن تناله لإنك سراب ويجب أن تفهم هذا جيدا ولا تقارن نفسك بى.
نظرت “للواقع” بغضب وقلت معاتبة:ـ طريقتك هذه تقلل منك ،ونعم هو له حياة مثلك ولكن تسرعك وتطلعك لأن تكون الأفضل جعلك تجهل الفرق.
قال “الخيال” :ـ أى فرق؟
أكملت بوضوح أكثر:ـ الخيال هو الحياة التى نحلم بها والواقع الحياة التى نعيشها بتحقيق ذلك الحلم.
ظهرت الحيرة عليهما فأردفت بهدوء:ـ بعد أن يحصل الشخص على الحياة التى يتمناها وتصبح أمام عينه واقع يعيشه أول ما يتفوه به لسانه”لقد حققت حلمى”
وهذا ما تجهله أنت أيها “الخيال” إن هذا الحلم هو الحياة التى يعيشها معك عندما يغمض عيونه ويبحر معك فى أحلامه ،الجميع يتمنى ويحلم ويهرب إلى الخيال ويرسم أحلامه وكأنه حققها ويتذوق طعم السعادة ويزيد تعطشه لأن تكون واقع ،فكيف ستصبح حياته إذا أصبحت حقيقة ويستيقظ ويأخذ عهدا على نفسه بأن يحقق ما يحلم به ويجعله واقع يتجسد أمامه ويعيشه وليس خيال فقط ويبدأ مواجهة الواقع بكل ما فيه والذى رسمه بريشة الخيال يبدأ تنفيذه على أرض الواقع بجهده وعمله وصبره فهو يعلم أن الأمر ليس بهين ولكنه يصبر نفسه كل ليلة بتلك الحياة التى رسمها في خياله ويزيد من عزيمته بأن تصبح واقع.
قال”الواقع”:ـ لقد تعقد الأمر ولم أفهم شئ.
رد “الخيال”:ـ وما الجديد فأنت هكذا دائما.
ضحكت عليهما وأكملت :ـ ما تقول عنه سراب وأنه وهم هو حلم نعيشه كل ليلة وهذا الحلم هو بذرة الواقع ونقطة البداية التى سنعيشها غدا وتكون حقيقة أمام أعيننا ،فإن هرب الإنسان إلى الخيال ليس هذا معناه إنه يكره الواقع وكيف يبغضه؟وهو حقيقة يجب أن يعيشها ويتعايش معها ويكافح لتكون مثل ما يريد ويحلم ،الواقع لن يتحقق بمجرد حلم وإنما بالسعى له ليحصل على الحياة التى يتمناها ويحلم بها وجزاء تعبه وجهده أن ينال ذلك الحلم الذى يراوده كل ليلة ويصبح واقع.
قال”الخيال”:ـ إذن أننا متساويان .
أجبت عليه:ـ حقيقة لا يجب أن يتساوى الخيال بالواقع ،لأن إذا زاد الشئ عن حده إنقلب على صاحبه فإن بقى الإنسان يحلم فقط ويتجاهل الواقع فهذا ما اختاره هو ولا يلوم الواقع بشئ وإنما يلوم نفسه فالواقع حصاد تعبه وسعيه ،لذلك كل إنسان له واقع مختلف وحياة غير متشابهة مع غيره ،كلا منا يحصل على ما زرعه بيده.
رد “الخيال” بحزن:ـ إذن أنا لا شئ.
قلت بسرعة:ـ كيف لا شئ؟وأنت بذرة ذلك الواقع فكل شئ يبدأ بخيال يحتوى على حلم صغير نرسمه في خيالنا ولكن إن ظل في الخيال فقط فهنا ليس أنت الذي لا شئ بل ذلك الشخص حياته هى التى لاشئ وأين حياته؟ وهو يحلم فقط .
قال “الواقع”:ـ تقصد إن الحلم يكون بدايتى أنا.
أجبت بسرعة:ـ بالطبع ،لولا الأحلام ما كان هناك واقع أو حياة نعيش من أجلها .الطفل من صغره يحلم بأن يصبح شئ يحبه ويظل يحلم ويردد بأنه سيحقق ما يريد ويسعى ليصل إلى حلمه وهكذا يكون واقع يعيشه.
قال”الخيال”:ـ إذن أنا الحياة التى ترسم بريشة الأحلام و يهربوا إليِ راحة من مشقة الوصول لذلك الواقع وتحقيق أحلامهم وليس كرها له.
قلت:ـ أحسنت ،فأنت هكذا فهمت مقصدى والفرق الذى تحدثت عنه.
ونظرت للواقع وقلت:ـ وأنت أيها المكابر.
إبتسم وبادلنى النظر وقال:ـ عرفت وعلمت من أنا ،بدايتى تكون حلم صغير يراودهم في خيالهم وبسعيهم وجهدهم أكون أنا ولكنى أتشكل حسب سعى واجتهاد كل شخص.
قلت :ـ بالطبع ،لكل مجتهد نصيب ومن سعى سيصل يوما ما بكل تأكيد.
إبتسم الاثنين فأكملت:ـ هكذا اعتقد لن يكون هناك صراع بينكما مرة آخرى .
تبدلت ملامحهم لسعادة وبصوت واحد قالوا :ـ بالطبع.
ورحل كلا منهما إلى حياته وتنهدت أنا براحة لأننى استطعت أن انهى تلك المشكلة.
بدون الأحلام ستصبح حياتنا فارغة ولن يكون هناك واقع أو حياة نسعى إليها ولكن لا يجب أن نعيش بالأحلام وفى ذلك الخيال وإنما نجعل الأحلام حقيقة و واقع نعيشه هذا هو الفرق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا