مقالات

حقائق و تحيزات في رحلة استكشاف الثقافة الإفريقية

 

✍️رحمه نبيل

تشكل الثقافات والأعراق المختلفة جزءًا هامًا من تنوع البشرية، وتعزز الفهم والتعايش المشترك بين الناس ومع ذلك، فإن بعض المفكرين والحركات تتبنى مفاهيم تتناول الثقافات الإفريقية والأفريقيين بطرق يشوبها العديد من الافتراءات والتحيزات.

تسليط الضوء على الثقافة الأفريقية:

في الثمانينيات من القرن الماضي، قام الناشط الأمريكي الأصلي موليفي أسانتي بتأسيس الأفروسنتريك أو “الحركة المركزية الإفريقية”. كان هدف الحركة الأساسي تعزيز الوعي بالثقافة الإفريقية عبر التاريخ وإبراز هويتها وأهميتها في الولايات المتحدة وأوروبا.

تسعى الحركة أيضا لنشر الوعي بكيفية استغلال الأوروبيين لحضارة الأفارقة من خلال الاستعمار والعبودية، وتشجع كل شخص إفريقي أو لديه أصول إفريقية على تقدير جذوره وتطوير وعيه ومعرفته بالحضارات التقليدية الإفريقية.

الجدل حول العرق والأصل الأفريقي:

وفقا لرؤية الحركة، يعود أصل الحضارة المصرية إلى إفريقيا فحسب، وهذا ما يثير الجدل حولها، حيث يشير التاريخ وعلماء الآثار إلى عدم صحة علمية لتلك الأفكار.

تواجه مصر تحديات كبيرة فيما يتعلق بتزوير تاريخها وحضارتها، وكذلك محاولات تجفيف نهر النيل. تسعى منظمة الأفروسنتريك لاستعادة الأفكار الأيديولوجية والمعرفية من أعماق التاريخ.

المؤتمر العالمي “العودة إلى الأصل”:

يوجد شركة سياحية أمريكية تنظم مؤتمرًا عالميًا في مصر، بالتحديد في أسوان، ويحمل اسم “العودة إلى الأصل” يشارك في هذا المؤتمر أعضاء يدعون أن آثار مصر ليست فعلًا مصرية، وأن المصريين القدماء كانوا أفارقة، وبالتالي يحاولون فرض شروط على المصري الأصيل، مثل أن يكون مصريًا أسود البشرة أو قبطيًا مسيحيًا.
يهدف ذلك إلى بث الفتنة و الصراعات العرقية، وهو ما حدث في الماضي بين الهند وباكستان وفصلهما عن بعضهما البعض.

اهداف حركة الأفروسنتريك :

تروج الأفروسنتريك لفكرة أن الفرعون المصري ينحدر من السودان، وأن المصريين الحاليين ليس لهم علاقة بالمصريين القدماء، ويزعمون أن المصريين الحاليين قد هاجروا من الجنوب أو اندثروا تمامًا، وأن السكان الحاليين في شمال مصر ينتمون إلى جنسيات مختلفة بعيدة عن العرق المصري.

كما تشجّع أيضًا على الاعتقاد بأن الحضارات القديمة في مصر والمغرب وقرطاجة كانت من الحضارات الزنجية.
من بين الادعاءات الأخرى التي تروج لها الأفروسنتريك هي زعمهم أن الملكة تيي زوجة أمنحتب الثالث في الأسرة الـ18، كانت مصرية قديمة تمتلك ملامح إفريقية ولون أسود.
ويقولون إن والد تيي كان من أصل أجنبي، استنادا إلى مظاهر المومياء وأسلوب كتابة اسمه بأكثر من طريقة، مما يشير إلى أنه ليس اسما مصريا.

ويدعي الأفروسنتريك أن العلماء المصريين الحاليين يقومون بتلوين المقابر باللون الأبيض بهدف تزوير التاريخ، وأنهم يكسرون أنوف التماثيل لإخفاء ملامح الأنف الأفريقية، لكن في الواقع، فإن كسر أنوف التماثيل كان يعود إلى اعتقاد المصريين القدماء بأن التماثيل تتنفس وللتخلص من الحياة يتم كسر الأنف، وكان ذلك جزءًا من الممارسات الدينية في مصر القديمة.

التعامل الأمني و الأكاديمي:

وفقًا لمصدر طلب عدم الكشف عن هويته، تم رصد مبلغ قدره 100 مليون دولار من قبل إحدى دول المنطقة لتمويل الأبحاث التي تدعم نسبة الحضارة المصرية القديمة إلى دول الجنوب.
تثير هذه المعلومات مع كتابات العلماء الغربيين تساؤلات حول كيفية التعامل المصري مع هذه القضية من منظور أمني. ولماذا لا يتم منح الباحثين المصريين الفرصة للمشاركة في النقاش العام بشأن هذا الموضوع؟

اتفق عدد من الخبراء في مصر على أن تجاهل دراسات الأنثروبولوجيا هو السبب الرئيسي وراء التعامل الضعيف مع هذه القضية، والتي تدفع نحو خطاب عنصري يركز على العرق.

تؤكد مونيكا حنا، عميدة كلية الآثار والتراث الحضاري بالأكاديمية العربية للعلوم البحرية، أن دعاة “المركزية الأفريقية” ليسوا الوحيدين الذين يطرحون ادعاءات تتعلق بالحضارة المصرية، وهذا يشير إلى ضرورة تقديم المصريين سردية قوية وشاملة تناقش تاريخ مصر القديم من منظور علمي متنوع.
حيث تقوم أكاديمية البحث العلمي بفتح مجال البحث في العلوم الإنسانية منذ وقت قصير لا يتجاوز عامين فقط.
وتقول: إذا كانت الدولة جادة، فإنه من المناسب المواجهة عبر التفاعل العلمي الذي يعمل علي توعية الناس وليس وسائل التواصل الاجتماعي، ومن الضروري أن تشجع الدولة البحث العلمي في مجال العلوم الإنسانية فإننا بحاجة ماسة إلى أبحاث علمية في مجالات الآثار والتراث الحضاري والتاريخ ولتحقيق ذلك، يجب تيسير إجراءات الباحثين وتوفير بيئة ملائمة للأبحاث.

وفي حدث أخير تم إلغاء عرض “ستاند أب” للممثل الأميركي كيفن هارت في القاهرة بتاريخ 21 فبراير الماضي، وذلك بعد حملة واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي تطالب برفض حضوره.
سبب الرفض يعود إلى تصريحات سابقة له حول الحضارة المصرية ومفهوم “المركزية الأفريقية”.
يروج هذا المفهوم إلى أن الحضارة المصرية بنيت على يد الأفارقة السود، وأن السكان الحاليين في مصر ليسوا من أحفاد المصريين القدماء، بل هم جماعات غزاة قدموا إلى مصر في وقت لاحق.

وفيما يتعلق بالأمر، يعتبر أحمد صالح، مدير النشر العلمي لآثار أسوان، أن إلغاء عرض كيفن هارت كان خطأ فادحًا.
وعبر صالح عن استيائه قائلاً: نحن نغلق الأبواب وندفن رؤوسنا في التراب، لماذا لا يوجد جرأة للرد؟ هارت شخص معروف وله تأثير، وكان بإمكانه أن يكون صوتًا مؤثرًا بالنسبة لنا، لكنكم قمتم بإغلاق الأبواب من الأفضل أن نستقبله ونعقد ندوة ونناقش علنًا قضية المركزية الأفريقية والمزاعم الأخرى المتعلقة بالحضارة المصرية.
الخطر في المستقبل سيكون أكبر بكثير، فكلما دفنت رأسك في الرمال، تنتشر الأكاذيب المتداولة ومع مرور الوقت، ستتم تصديقها.

وبذلك، فإن هذه الإلغاءات تشكل خطأ فادحًا بنظر صالح، حيث تمنع الحوار والتفاعل مع وجهات النظر ولا تعطي الفرصة لمناقشة القضايا المثارة وتوضيح الحقائق بدلاً من إغلاق الأبواب وتجاهل الرؤى المختلفة، يجب أن نكون مستعدين للمواجهة والحوار المفتوح، حتى نتمكن من فهم بعضنا البعض وتعزيز التفاهم الثقافي.

في رد فعل قوي على التصريحات المنسوبة للممثل كيفن هارت، الذي زعم أن أجداده “بنوا الأهرامات” في مصر بوصفهم من أصول إفريقية، علق الإعلامي باسم يوسف بأن هذا الأمر ليس مرتبطًا بألوان البشرة بل بالخطف الثقافي وتزوير التاريخ الذي يقوم به أتباع المركزية الإفريقية-الأفروسنتريك. هذه التعليقات جاءت ردًا على الانتقادات اللاذعة التي وجهها العديد من المصريين على منصات التواصل الاجتماعي في الأسابيع الأخيرة لتلك الحركة، حيث اتهموها بمحاولة سرقة حضارتهم وتاريخهم، وتزوير الحقائق، وراء عمل “كليوبترا” الذي تجسده ممثلة سمراء اللون.

يجدر بالذكر أن الجدل حول فيلم “كليوبترا” الذي تنتجه شبكة نتفليكس كان قائمًا منذ بضعة أسابيع، بعد ظهور صورة الممثلة الرئيسية التي تجسد دور الملكة الفرعونية وهي سمراء البشرة.
هذا الأمر دفع العديد من المصريين إلى التساؤل عن السبب وخاصة أن الفيلم ليس مجرد فيلم سينمائي عادي بل وثائقي، وعلى هذا الأساس، يفترض أن يستند إلى حقائق تاريخية علمية.

من جانب أخر ، أكدت مصر أن ظهور البطلة بهذه الصورة يعد تزويرًا للتاريخ المصري وتلاعبًا تاريخيًا صارخًا، خاصة أن الفيلم يصنف كوثائقي وليس عملاً دراميًا. ومن ثم، يتعين على القائمين على إنتاج الفيلم أن يضعوا الدقة في الاستناد إلى الحقائق التاريخية والعلمية، مما يضمن عدم تزوير تاريخ وحضارة الشعوب. ينبغي أن يتحلى صناع الفيلم بالمسؤولية والاحترام تجاه تراث البلدان والثقافات التي يتناولونها في أعمالهم الفنية وإن استنادهم إلى البحوث والدراسات الموثوقة والمصادر التاريخية الصحيحة يعد أمرًا بالغ الأهمية لضمان نقل الحقائق بدقة واحترام.

فمن الواضح أن الحركة الأفروسنتريك تتعرض للجدل والانتقادات، حيث إن التاريخ والعديد من علماء الآثار يؤكدون عدم صحة علمية لمثل هذه الأفكار والادعاءات .
وإن مصر تواجه تحديات كبيرة فيما يتعلق بسرقة تاريخها وحضارتها والتلاعب بالمعرفة التاريخية ،وتحاول منظمة الأفروسنتريك إحياء هذه الأفكار واستخدامها لتفتيت المجتمعات وإثارة الانقسامات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا