مقالات

من هو القرين؟

كتبت: ملك محمد عبد الغني

 

ما نعلمه عن القرين قطرة، وما نجهله محيط، وما سمعناه عنه دومًا حقيقة وليس خيال، فيقال أنه جاثوم، ونسمع أحيانا أنه موجود في كل واحد منا. ولكن ما الحقيقة؟ 

إنها وجهة عميقة جدًا، لكي نعرفها سنغوص في خفايا النفس البشرية ونتعرف على أحد أبرز الألغاز المرتبطة مباشرة بالنفس والعقل والروح، وهذا المصطلح الذي كلما سمعنا به يذهب بنا العقل بشكل مباشر إلى أحداث مخيفة وغامضة وعوالم مظلمة، منها الواقعي ومنها ما هو أبعد من الخيال.

القرين

 من الواضح أن هذه الظاهرة قاسم مشترك بين كل البشر دون استثناء، و أغلبنا مر بها ويبحث عن إجابة.

 

هل حقا هناك ما يسمى بالقرين؟

 

القرين مصطلح يحمل معنى الصاحب في اللغة العربية، إلا أنه دينيًا يحمل معنى مغاير تمامًا. فالقرين مصطلح ديني إسلامي بامتياز، ومعناه الشيطان الموكل بكل إنسان، لإغوائه و ليوسوس له بالمعصية و الضلال.

 

مصطلح القرين

 

نسجت حول هذا المصطلح الكثير من الروايات والنظريات والأخبار، الواقعية منها والخيالية، و أبرز ما ارتبط بالقرين من ظواهر هي تلك الظاهرة التي سمعنا بالكثير من الحالات حولها، و أقصد في حديثي هنا (الجاثوم)، وهو مصطلح حقيقي له مسمى طبي وهو (شلل النوم)، فمنهم أشخاص استيقظوا إلا أنهم لم يستطيعوا التحرك بتاتًاويؤكدون أنهم شعروا بهذا الأحساس المخيف وهم في حالة استيقاظ، ولا يستطيعون النطق أو الحركة وهو ما يشبه بالشلل الكلي، حتى أنهم يعجزون عن الصراخ، والبعض يخبر أن شيء يجثم على صدره أثناء نومه، وأشخاص اختلط عليهم الأمر ما بين الحقيقة والحلم، أو بالأصح الكوابيس.

معظمنا مر بهذه التجارب، إن كان من العصور السابقة أو من العصر الحالي، وفسروا حدوث هذا الأمر المرعب لهم إلى (قوى خفية)، ربطها بعضهم بالشياطين والجن، والأغلبية ألقوا باللوم على القرين.

اختلط مفهوم القرين مع مفاهيم كثيرة أخرى عند الحضارات المختلفة، وسنبدأ بأعرق الحضارات و أكثرها غموضًا.

القرين

الفراعنة

 

معروف أنه خلال عمليات التنقيب عن الآثار واكتشاف القبور الفرعونية والنقوش والكتابات الهيروغليفية برز مصطلح (كا)، والذي كان يمثل عند الفراعنة نسخة خفية من الإنسان ذاته، ترافقه في وعيه ومنامه وتتحدث إليه وتجيب عن أسئلته، وتولد يوم ولادته وتقبع بجانب قبره عند وفاته، هذه الفكرة شبيهة بالقرين بأكثر من ناحية.

 

الصينيون

يؤمن الصينيون بوجود روح خفية تنمو داخل الإنسان وتبقى معه إلى نهاية العمر، و رغم هذا الالتصاق إلا أن هذه الروح تكون جيدة أو شريرة، و تظهر قدرتها من خلال طبيعة الإنسان التي تقبع الروح بداخلها، وغيرها الكثير من الحضارات التي آمنت بوجود روح خفية، وإن كانت بأشكال ومفاهيم مختلفة.

ماذا عن الأديان الأخرى و بالتحديد الأديان السماوية الثلاث؟

 

المسيحية واليهودية

في المسيحية واليهودية على حد سواء لا وجود لمصطلح القرين أو حتى لفظ القرين، و إنما نجد ذكر عن الملائكة الحارسة في الديانة المسيحية، والشياطين حالها كحال الديانة اليهودية فقط لا غير.

القرين

الدين الإسلامي

 

الوضع مختلف تمامًا في الدين الإسلامي، الإسلام تفرد عن غيره في مصطلح القرين، و بالطبع لم يأت هذا المفهوم من العبث أو من تواتر الموروثات الشعبية، بل أتى من النص القرآني الصريح والسنة النبوية الشريفة بإجماع كافة الطوائف الإسلامية، ولكن المصدر الأساسي في الدين الإسلامي هو القرآن الكريم، فالقرين ذكر في أكثر من موضع و بالاسم الصريح.

-قوله تعالى: «ومن يعشُ عن ذكر الرّحمن نقيّض له شيطانا فهو له قرين»، (الزّخرف 36).

– قوله تعالى: «قال قائلٌ منهم إنّي كان لي قرين»، (الصّافات 51).

– قوله سبحانه: «حتّى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بُعد المشرقين فبئس القرين»، (الزّخرف38).

الجدير بالذكر أن أغلب المفسرين اتفقوا في الرأي أن القرين هو من يرافق المرء من شياطين في حياته، والطوائف الإسلامية خير دليل على وجود القرين، يقول رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام: ( ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن، وقرينه من الملائكة)، قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: (وإياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بالخير)، ليتبين لنا من الآيات القرآنية السابقة وأحاديث الرسول أن مهمة القرين هي الوسوسة للإنسان وتزيين الشهوات وإبعاده عن طريق الصواب عبر الإيقاع به في المعاصي والذنوب فقط دون أي ضرر حسي أو أي من المعتقدات السائدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا