مقالات

الهجرة النبوية ما بين التخطيط البشري والعناية الإلهية

كتبت /آيات مصطفى

 

احتفلت  الأمة الإسلامية  بالسنة الهجرية الجديدة  فبحلول شهر محرم المبارك استقبلنا  عام هجري جديد وذكرى حدث عظيم القدر والمعنى وهو حدث الهجرة النبوية الذي مازال وسيبقى أعظم حدث في تاريخ الإسلام والمسلمين حيث انتقل المسلمون من الضعف الى القوة ومن الإضطهاد الي الأمن والأمان ومن الدعوة فقط إلى الدعوة والدولة والنصر والتمكين في الأرض .

 

ومن فينا لا يعلم القصد من الهجرة فالمقصود من الهجرة هو  الهجر، والهجر دائما يكون من مكروه للنفس لمحبوب لها ، ولكن أكانت الهجرة كذلك ؟

فإن رسول الله صل الله عليه وسلم  لم يكره مقامه في مكة لأنه قال إنها أحب البلاد إلى نفسه ولولا  إن قومها أخرجوه منها ما خرج منها .

إذن فمعنى الهجر لا ينطبق على رسولنا الكريم فهو لم يهجر مكة  لكرهه فيها ولم يهاجر للمدينة لأنها أحب إلى نفسه ولكن ينطبق عليه معنى المهاجرة أي أنه هاجر وليس هجر فالهجر معناه الكره والترك ولكن نبينا الجليل لم يكره ولم يهجر ولكن هاجر من أجل رسالة سامية ومن أجل إعلاء كلمة الحق في البلاد فخرج الرسول الكريم  من مكة محملاً برسالة من ربه بهدف إعلانها في أُذن العالم أجمع .

 

فرسولنا الكريم لو وجد النصرة في مكة ما هاجر إلى المدينة  ولكن يشاء الله  أن يضطهد من قومه وأن يهاجر من ديارة  فإرادة الله أن يكون البعث في مكة والنصرة في المدينة، فلو أتت النصرة في مكة ربما قال أحدهم  إن قوم محمد وعشيرته تعصبوا لرجل منهم ونصروه ليسودوا به العالم أجمع  ولتبقى مكانة مكة بين البلاد كما هي ولكن حتى يستقر في أٌذن الدنيا أجمعها أن الإيمان بمحمد هو الذي خلق العصبة لمحمد ولم تخلق العصبة لمحمد الإيمان به .

 

وهنا تظهر الإرادة والسعي لتحقيق الأهداف السامية و المنشودة لاسيما رسالة رب السماوات ، تتجلى في قوله صل الله عليه وسلم “والله يا عمي لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي لأترك ذلك الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه” ،

فعلا فإن الأهداف تحتاج لعزيمة قوية مقابل قوة الهدف فما بالكم لو كان الهدف هو رسالة الله إلى خلقه ، حتما تحتاج للإصرار والعزيمة بل وحتى للهجرة من مكان إلى آخر لتكملة الطريق  .

 

إذن افعل ما يتوجب عليك حتى يأتي الله بأمره فعندما يرى الله سبحانه وتعالى إخلاصك وإصرارك فتأتي الحلول من عند الله جل وعلا شأنه.

 

فكم عانى رسول الله صل الله عليه وسلم من أهل مكة الذين هم أهله فلقد رأى منهم الأمرين وكل اساليب الإيذاء فما وهنت عزيمته صلى الله عليه وسلم ، بل كان يدعو لهم وكان يقول لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يقول لا إله إلا الله  وحده لا شريك له .

 

حبيبي يا رسول الله إنه الرحمة المهداة، وعندما أتى أمر الله بالهجرة صاحب ذلك عملا تنظيمياً بارعاً وذلك من أول سرية ميعاد الرحيل ،ثم اختيار طرق وعرة وغير مألوفة في الصحراء لتضليل قريش واستحالة الوصول إليهم، ونوم علي بن أبي طالب رضى الله عنه وأرضاه في فراش الرسول صل الله عليه وسلم لحبك الخطة فالأخذ بالأسباب من أجل إنجاح المهمة والحفاظ علي الرساله بكل ما أوتي من قوة، وعندما  توكل على الله جل وعلا كوفئ  بمعية الله معه ، بدليل خروج النبي صلى الله عليه وسلم من منزله وسط حشد من رجال وشباب القبائل دون أن يُمس بأذى بل والمذهل أنه وضع بيده  الكريمة التراب فوق رؤوسهم في مشهد تتجلى فيه إرادة ومعية الله سبحانه وتعالى لنبيه الكريم ولولا العناية الإلهية ما خرج رسول الله من داره قط .

 

ولا ننسى دور السيدة أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها وارضاها، فبرغم صغر سنها وظروف حملها إلا أنها تحملت الصعاب لإيصال الطعام والماء وأخبار قريش إلى أبيها وإلى رسولنا الكريم  في غار ثور  واحتملت وعورة الصحراء ولهيب الشمس الحارقة والرمال الساخنة وكانت تتحرك بكل حرص حتى لا يشعر بها كفار قريش  حتى أنها قد شقت خمارها إلى نصفين لتربط به الطعام الذي تحمله لتخفيه عن عيون  قريش  وقد قال لها رسول الله صل الله عليه وسلم “أبدلك الله بنطاقك هذا نطاقين فى الجنة” فضربت لنا السيدة أسماء رضي الله عنها وأرضاها أروع مثال في قوة العزيمة والشجاعة لتترك لنا أثراً طيباً نتمني من بناتنا أن تحتذى به فكل من كان حول رسول الله صل الله عليه وسلم  كان له دور في إنجاح الهجرة النبوية الشريفة .

 

اعقلها وتوكل على الله هكذا تصرف رسول الله صل الله علية وسلم  فقد أخذ بالأسباب، وخطط للهجرة، وتحرى السرية، و أوكل من يرد الأمانات إلى أصحابها، وأمن مخبأ ليحتمى فيه هو وصديقه سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه ، وتوكل على رب السماوات والأرض الله عز وجل ، وعَلِم أن الله لن يضيعه، وما يؤكد لنا ذلك قوله لسيدنا أبي بكر الصديق في غار ثور “ما ظنك يا أبا بكر بإثنين الله ثالثهما ” عندما تخوف سيدنا أبي بكر الصديق من أن يراهم كفار قريش عندما وصلوا إلى الغار، وهنا تتجلى  معية وعناية الله لرسوله الكريم فعندما أحسن رسولنا الكريم ظنه بربه أرضاه الله، ونصره في هجرته، وعوضه عن كل ما تخلى عنه في دياره في سبيل إعلاء كلمة الله والدعوة إلى رسالة رب السماوات فمكنه الله تعالى في الأرض طِبت حيًا و ميتًا يا سيدي يا رسول الله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا