مقالات

الفرار إلى الله

بقلم: د. رباب شاهين 

 

خلق الله الإنسان وميزه عن سائرالمخلوقات وأعطاه العقل والإرادة والقدرات التي تُؤهِّله للتميز بين الخيرو الشر، وألهمه طريق الفجور والتقوى. والفجور هنا كل المعاصي والفتن التي تودى بالإنسان إلى طريق الهلاك والذنوب، فمع تراكم الذنوب يصدأ القلب ويعلوه الران ويصبح القلب معتم لا يتمكن من الإبصار ومعرفة الحقائق حتى لوكانت في غاية الوضوح. وعن أبي هريرة – رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله علية وسلم- قال: “إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب سُقِل قلبه، وإن عاد زيدَ فيها حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكر الله: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[المطففين: 14].

الفرار إلى الله
الفرار إلى الله

للمزيد من المقالات أضغط هنا

ظلم الإنسان لنفسه.

ومن رحمة الله على الإنسان أنه يراه في المعصية ويصبر عليه، يمهله لعله برجع إليه ويفر إليه نادماً على ما إقترف من الذنوب وليس شرطاً أن يكون البعد عن الله مقترفاً بالذنوب ولكن أحيانا ينغمس الإنسان بالانشغال بالدنيا، فالبعض منا قد ينشغل برزقه وأمواله وزوجته وأولاده، وينسى أن يجاهد نفسه ويحسن إليها بالتودد إلى الله والقرب منه والندم على ما اقترف من ذنوب وظلمه لنفسه، كما قال الله تعالى : وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ‏}‏‏ ‏[‏آل عمران‏:‏135‏]‏.

 

سبل الفرار إلى الله.

ولقد بشر الله الانسان المقترف للذنوب بالمغفرة والعفو، وإذا علم من عبده صدق الفرار إليه أعانه ووفقه ولم يتركه حيث قال عز وجل:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} ]العنكبوت:69[. ومن فضل الله الرحيم علينا أنه لم يجعل من عملية الفرار إليه عملية صعبة ولم يجعلها في طريق وعرة بل مهد لنا طريق الفرار إليه ويسر لنا سبله فأنت تستطيع أن تفر إلى الله على كل حال من أحوالك وأنت سائر وأنت واقف وأنت قاعد وأنت نائم للكسب لتعف نفسك وأهلك عن الحرام تفر إلى الله ، بقيامك للصلاة تفر إلى الله ، بذكرك لله تفر إلى الله ، بقراءتك للقرآن تفر إلى الله، بالصدقة تفر إلى الله، بصلتك لرحمك تفر إلى الله، بتربيتك لأولادك على أحسن الأخلاق تفر إلى الله .

 

الفرار بالقلب أولاً.

والفرار إلى الله ليس عملاً قلبياً أو وجدانيَا فحسب، ثم ينغلق المرء بعدها على نفسه فلا يكون لذلك الفرار أثر في الواقع، ولكنَّ الفرار مبتداه من القلب ثم ينساح على الجوارح كلها، فيغمرها فيه، حتى تكون تابعة له تعمل ما يأمرها به، ولا تمتنع منه، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب”.

 

الفرار إلى الله قبل الندم.

فيجب على كل مذنب أن يبادر بالفرار إلى الله والتوبة وهو بكامل قوته وعافيته قبل أن يشيب وتضعف قوته وتتراكم على جسده الأمراض والعلل، وقبل أن يفاجأه الموت وحينها يصرخ ويقول :{… رَبِّ ارْجِعُونِ(99)لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ(100)فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ(101)فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ(102)وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ(103)تَلْفَحُ وُجُوهَهُمْ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} ]المؤمنون:99-104[.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا