التاريخ والآثار

اليوم العالمي للعمال في ضوء العمالة مصر القديمة

 

كتبت / نادين خالد

يوم العمال هو احتفال سنوي يقام في دول عديدة احتفاءً بالعمال، تنظمه الحركة العمالية ويحتفل به في الأول من مايو كل عام، وهو عطلة رسمية في أغلب دول العالم.

كان المجتمع المصري قديما على قدر كبير من التراتبية الطبقية، تتمثل نخبته في مجموعة من علية القوم والمتعلمين والمنتسبين إلى الملك الحاكم، ثم تأتي طبقة المهن والحرف، الطبقة الوسطى في المجتمع، التي تزاول عملها في بيئة حضرية في أغلب الأحوال وفي ظل نظام إداري.

كانت الأعمال الحرفية الأكثر استقرارا في البلاد، وتخضع لنظام دقيق يحكمها، وتشير النصوص المصرية القديمة إلى أن حياة العمال والحرفيين كانت أكثر يسرا مقارنة بالفلاحين.

كان العمال يتسلمون بصفة منتظمة أجورهم عينا، كما يتضح من نص للملك رعمسيس الثاني، الأسرة 19، بحسب تقسيم عصور تاريخ مصر القديم، أورده العالم الفرنسي، جان بيير ماري مونتيه، في دراسته بعنوان “الحياة اليومية في مصر في عصر الرعامسة”، وهو نقش على لوحة تذكارية أقامها الملك في معبد أيونو، قال مخاطبا عمال المحاجر: ملأت المخازن بجميع الفطائر واللحوم والكعك لتأكلوها، وأنواع العطور لتعطروا رؤوسكم بها كل عشرة أيام، وصنادل تنتعلوها كل يوم، وملابس تلبسونها طوال العام. عينت لكم رجالا يحضرون لكم الطيور والأسماك، وآخرين يحسبون كم هو مستحق لكم، أمرت بتشييد ورشة فخار تصنع لكم الآواني الفخارية ليظل ماؤكم صافيا في الصيف، ومن أجلكم أبحرت السفن دوما من الجنوب إلى الشمال ومن الشمال إلى الجنوب تحمل لكم الشعير والحبوب والقمح والملح والخبز.

وعرفت مصر القديمة، تكوين النقابات العمالية، كما عرفت التظاهرات العمالية، وكانت أول تظاهرة عمالية شهدتها مصر القديمة، في عام 1970 قبل الميلاد، وتحديداً في عصر الملك رمسيس الثالث، حين تأخر صرف رواتب العمال لمدة 20 يوماً. وألقى العمال، الذين كانوا يعملون وقتها في بناء مقابر ومعابد الملوك في غرب الأقصر، بأدواتهم ومعداتهم واحتشدوا في مسيرة ونظموا إضراباً واعتصاماً سلمياً للمطالبة برواتبهم، ولم يتزحزحوا من موقع اعتصامهم برغم كل نداءات المسؤولين حتى تم صرف الرواتب والأجور المقررة لهم.

عرفت مصر القديمة تكريم العمال من جانب بعض الشخصيات منذ عصر الدولة القديمة، ومثال ذلك مدير ضيعة يعرف باسم “منى”، من عصر الأسرة الرابعة، يقول في نص إنه كافأ بسخاء كل من ساهم في بناء وزخرفة مقبرته: “لن يندم أبدا كل من ساهم في بنائها، سواء كان فنانا أو قاطع أحجار، لقد أعطيت كل شخص مكافأته”.

ويؤكد أحد القضاة، من عصر الأسرة الخامسة، نفس المفهوم في نص آخر يشير إلى احترام طبقة العمال كما يلي: “جميع من عملوا في هذه المقبرة نالوا أجرهم بالكامل من خبز وجعة وملابس وزيت وقمح بكميات كبيرة، كما أنني لم أُكره أحدا على العمل”.

كان الملك “أمنحتب الأول” أول من ابتكر فكرة تكوين طائفة خاصة من العمال والفنانين، لذا أصبح محل تقديس بعد وفاته، واستقر هؤلاء العمال في قرية تعرف باسم “دير المدينة”، وكانت محاطة بسياج وتتألف من سبعين منزلا بملحقاتها.

وتشير الوثائق إلى أن هؤلاء العمال كانوا يعملون تحت مراقبة سلطة الوزير المكلف بإمدادهم بالأدوات اللازمة للعمل، كما كانت الدولة مكلفة بإمدادهم بالمواد الغذائية، وكانت طائفة العمال تتألف من 60 إلى 120 عاملا يقسمون إلى قسمين، كل قسم يخضع لسلطة رئيس عمال يحمل كل منهما لقب “كبير الفرقة أو المجموعة”.

وتشير أوستراكا مؤرخة في العام الأربعين من حكم الملك رعمسيس الثاني، محفوظة في المتحف البريطاني، كتب عليها رئيس العمال أسماء عماله، البالغ عددهم 43 عاملا، وأمام كل عامل عدد الأيام التي تغيبها عن العمل، وأعذار التخلف عن العمل بالمداد الأحمر، وكذا التأخير عن نوبة العمل، وكان من بين الأسباب “المرض بعدوى، أو لدغة عقرب، أو بسبب تقديم القرابين للآلهة”، كما كان انحراف مزاج الزوجة سببا أحيانا في تخلف عامل عن نوبة عمله، أو قيامه ببعض الأعمال المنزلية.

كانت الدولة تمد هؤلاء العمال وأسرهم بحصص تموينية تعرف بنظام “الجرايات”، وكان أجرهم يُدفع عينا في هيئة مواد غذائية تُصرف من مخازن الدولة شهريا كالقمح والشعير والأسماك والخضراوات وماء الشرب، بالإضافة إلى حوافز الاجتهاد في العمل وتضم البلح والجعة.

قد يهمك أيضاً….

أمنحوتب الثاني وتوجيهاته السياسية نحو آسيا وسوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا