
البومة ما بين السلب والإيجاب
البومة ما بين السلب والإيجاب
سلمى مندور
نسب لبعض الطيور والحيوانات جلب الخير والشر، ولعل أبرزها طائر البوم الذي ارتبط بالعديد من الاقاويل المتباينة، ومابين ارتباطه بالتشاؤم والتفاؤل، نسجت عنه الأمم والشعوب عبر التاريخ العديد من الأساطير والحكايات.
لنتعرف أكثر على مدلول طائر البوم في الحضارات المختلفة.
• مصر القديمة:
البومة المصرية عرفت بلونها الذهبي المنقط باللون البني والأبيض، والعيون برتقالية أو صفراء، والتي يصل طولها ما بين 46 إلى 50 سم، وتضع أنثاه من 1 إلى 7 بيضات في المرة الواحدة، واعتبرت من أوائل الطيور التي تم تحنيطها، وعمل تماثيل لها، كما أدرج المصريون البومة في النقوش الهيروغليفية وفنون المقابر، ورسم للبومة رمزَا يشير لحرف الميم في اللغة الهيروغليفية، ويبدو أن مكانتها كانت كبيرة في عهد الملك رعمسيس الثاني؛ حيث كان يعتبره طائره المفضل إلى أن ضربته ذات يوم بجناحها على وجهه فكادت تفقأ عينه، فغضب ونقم عليها، وربما تغيرت نظرة المصريين للبومة بعد هذه الحادثة، وقد ارتبطت البومة بالموت، والعالم السفلي والظلام حيث اعتقدوا أنها تحمي الأرواح أثناء انتقالها إلى العالم الآخر، وأن الأرواح تأخذ شكل البومة.
• بلاد ما بين النهرين:
ارتبطت بنقش ملكة الليل الذي يعود للعصر البابلي، يصور إلهة عارية على شكل إنسان يمتلك أجنحة وأقدام بومة، تضع قدميها على أسدين عجاف، يحيط بها طائران ضخمان من البوم، يقفان بانتصاب، مما يشير إلى ارتباط البومة بالليل والظواهر الخارقة للطبيعة، كما وجدت تماثيل للبوم يعود تاريخها غالبًا إلى حوالي 3000 قبل الميلاد.
• الصين القديمة:
على الرغم من أنها نظر إليها أنها كـ نذير شؤم، مع ذلك كانت تُحترم أيضًا لارتباطها بالعالم الروحي؛ كما يتضح في أواني البوم البرونزية من سلالة شانغ.
• اليونان القديمة:
أشار الإغريق القدماء للبومة رمز الحكمة لارتباطها بأثينا، إلهة الحكمة والحرب، كما كانت رؤية البوم بكثرة حول البارثينون معبد أثينا دفعت اليونانيين إلى اعتبار البومة رفيقة أثينا الطبيعية، ومنذ القرن السادس إلى القرن الأول قبل الميلاد، غالبًا ما كانت العملات الأثينية تحمل صورة أثينا على أحد وجهيها والبومة على الوجه الآخر. في مسرحية الطيور، للكاتب الإغريقي أريستوفانيس يقترح أن البوم الفضي هو أفضل الأنواع لأنه لن يفارقك أبدًا، أيضًا اعتبرت البوم فألًا للنصر في المعارك؛ حيث اعتقد أن ظهور بومة في ساحة المعركة يدل على رضى أثينا، فحملت البوم إلى أرض المعركة، وتم إطلاقها لرفع معنويات الجنود، فأصبحت تمثل عبارة ها هي بومة تعني هناك علامات النصر.
• روما القديمة:
ارتبطت البومة بالمعبودة مينيرفا كرمز للحكمة والنصر مثل نظيرتها في الحضارة اليونانية أثينا، وكانت البومة غالباً ما تظهر على ذراعها، ونتيجة لهذا الارتباط أصبحت تعرف باسم بومة مينيرفا، والتي تم تمثيلها كطائر مقدس، ويتجلي الترابط بينهم في مقولة الفيلسوف الألماني هيغل “بومة مينيرفا لا تطير إلا في الظلام”، والتي تعني أن الحكمة تظهر بعد أن يسود الجهل أو في نهاية الأحداث، لكنها تراجعت مكانتها عقب اقاويل عن رؤية يوليوس قيصر لبومة قبل اغتياله.
• سكان أستراليا الأصليون:
اعتقدوا أن الروح تتحول إلى بومة بعد وفاة الشخص، فقد آمنوا أنه يمثل أرواح للنساء أو المتوفين مما توجب عليهم حمايته من أي أذى.
• سكان أمريكا الأصليين:
تتنوع رمزية البومة في ثقافتهم على سبيل المثال:
عند قبائل الهوبي كانت ترمز إلى الموت، وأيضًا عند شعوب الهوبيس الذين أطلقوا عليها كوكو التي تعني حارس الظلام، وعند شعوب الكري في أمريكا الشمالية يؤمنون بأن صفارات البومة هي استدعاءات من الأرواح، وفي سييرا نيفادا أعتقد أن البومة تحمل أرواح الموتى، وشعب الكواكيوتل اعتقدوا أيضًا بأن البوم هي أرواح البشر وسكان ساحل الشمال الغربي في كواجولث يعتقدون أن البوم يمثل الشخص المتوفى، وسكان موهافي في أريزونا، آمنوا أن الشخص يتحول إلى بومة بعد الموت.
أما عند سكان نيوك كاليفورنيا يعتقدون أن الشجعان بعد الموت سيتحولون إلى بومة كبيرة، وشعب داكوتا هيداتسا آمنوا أن البومة الحفارة هي روح الحماية للمحاربين الشجعان، وشعوب لينابي يعتقدون أن إذا حلموا ببومة فإنها ستصبح حارستهم، وقبيلة تلينغيت كان محاربيها يصيحون مثل البوم في المعارك ليمنحوا أنفسهم الثقة.
وعند شعب زوني وقبائل بويبلو ارتبطت لديهم بالحكمة بسبب حواسها الليلية.
شعب مينوميني آمنوا أن الليل والنهار خُلقا بعد مسابقة كلامية بين بومة المنشار وأرنب، وعندما فاز الأرنب اختار ضوء النهار، لكنه سمح للبومة المهزومة بالليل.
واعتقد سكان الإنويت أن البومة قصيرة الأذن كانت فتاة صغيرة تحولت بسحر إلى بومة، كما أطلقوا على البومة الشمالية اسم العمياء نظرًا لهدوئها فترة النهار، وكان يتخذ الأطفال كـ حيوانات أليفة .
• الأدب الإنجليزي:
اكتسبت بومة الحظيرة سمعة سيئة، لأنها كانت طائر ارتبط بالظلام، وبالتالي الموت. خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، استخدم الشاعران روبرت بلير، وويليام وردزورث بومة الحظيرة كـ طائر الهلاك، كما اعتقد الكثيرون أن نداء بومة تحلق فوق نافذة شخص مريض يعني موته، كما كان يعني أن هناك عاصفة باردة قادمة.، وظل وضع شكل بومة على باب الحظيرة مستمر حتى القرن التاسع عشر الميلادي.
• العرب:
كانوا يتشاءمون من البومة كونه يطير بالليل ويعيش في الأماكن المهجورة والمظلمة، كما كانوا يعتقدون أنه عندما يُقتَل شخص فإن عظامه تتحول إلى بومة، وصوتها هذا يدل على أنها تطلب الثأر لنفسها، وذلك يعني بأن أحدهم سيقتل، وأيضًا إذا تم رؤية بوم يطير من إحدى الجهات التي يتجه إليها مسافر فإنه يعود، وعليه مع ظهور الإسلام فقد حرم التطير باعتباره من أبواب الشرك، وأمر المسلم بترك الأخذ به، والإيمان بالقضاء والدعاء “اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك”.