
الأساليب البلاغية في نصوص كتاب الموتى
الأساليب البلاغية في نصوص كتاب الموتى
للباحثة الأثرية:
منه أشرف رشاد رضوان
مقدمة البحث:
تعد الأساليب البلاغية في نصوص “كتاب الموتى” من الموضوعات المهمة التي تستحق الدراسة المتعمقة. يهدف هذا البحث إلى تحليل الأساليب البلاغية في نصوص “كتاب الموتى“، والتعرف على استخدام اللغة الهيروغليفية في التعبير عن المعتقدات الدينية والشعائر الجنائزية. سيتم التركيز على أبرز الأساليب البلاغية التي تتجلى في التكرار، التجسيد، الرمزية، والتوازي، مع دراسة تأثير هذه الأساليب في التأثير النفسي على المتلقي وخاصة في سياق محاكمة المتوفى.
الفصل الأول: مفهوم البلاغة في اللغة الهيروغليفية
تمهيد:
البلاغة، بمفهومها العام، هي القدرة على استخدام اللغة بطريقة تؤثر في المتلقي، وتُعبّر عن المعاني بأجمل صورة. وعلى الرغم من أن المصطلح “بلاغة” لم يُستخدم صراحة في النصوص المصرية القديمة كما نعرفه اليوم، إلا أن مظاهره كانت واضحة في التراكيب اللغوية، واختيار الألفاظ، وبناء الجمل في النصوص الدينية والأدبية، خاصة في “كتاب الموتى”.
1- البلاغة في الفكر المصري القديم
لم يكن التعبير اللغوي في مصر القديمة مجرد وسيلة للتواصل، بل كان يُعدّ قوة سحرية تؤثر في العالم المادي والروحي. فالكلمة المكتوبة تُعتبر كيانًا فعّالًا، خاصة عندما تكون جزءًا من نص جنائزي له وظيفة دينية. لذا، كان اختيار الكلمات وترتيبها يتم بدقة، ويُصاغ بأسلوب يحمل قوة تأثير نفسي وروحي.
الفصل الثاني: الأساليب البلاغية في نصوص كتاب الموتى – دراسة تطبيقية
أولًا: تحليل الفصل 30B – خطاب المتوفى إلى قلبه
النص (بتصرف عن النسخة الهيروغليفية): “يا قلبي الذي من أمي، يا قلبي الذي من جسدي، لا تشهد ضدي في محكمة الآلهة… لا تُعارضني في الميزان، لا تكن خصمي أمام السيد الأعظم…”
الأساليب البلاغية في النص:
1. التكرار:
تكرار “يا قلبي” في بداية الجمل يُظهر نداءً عاطفيًا، يُقصد به التأكيد والإلحاح. أيضًا تكرار النفي “لا تشهد… لا تكن…” يمنح النص إيقاعًا داخليًا يوصل التوتر والخوف من الحساب.
2. النداء العاطفي:
استخدام “يا قلبي” بصيغة إنسانية يُشير لتجسيد القلب كشخص، ويعكس العلاقة الروحية العميقة بين الإنسان وقلبه في الفكر المصري.
3. الجناس (التوازي الصوتي):
التوازي في الجمل: “أنا هو الذي يتكلم” و “أنا هو الذي يمتلك”، يعزز الإيقاع الداخلي للنص ويجعله أكثر قوة، ويشعر القارئ بأن الكلمات نفسها تأتي بقوة هائلة.
الفصل الثالث: الأساليب البلاغية في فصل 125 – محكمة أوزير
النص الهيروغليفي (بتصرف): “أنا هو الذي يتكلم: أنا هو الذي يمتلك الروح الأزلية. لا يقدر أحد على محاسبتي. إنني، الذي أخضع كل شيء لسلطتي في العالم الآخر. أنا أوزير، الذي يجلس على العرش الأبدي. أنا أوزير، الذي لا يخضع لحكم البشر.”
الأساليب البلاغية في النص:
1. التكرار (إعادة التأكيد):
“أنا هو” يتم تكرارها بشكل متعمد لإبراز قوة الشخصية الإلهية لأوزير. التكرار هنا يُحسن التوازن داخل النص ويجعل الكلمات ثقيلة بوقوعها في نفس القارئ. التكرار يُعطي إيحاء بأن أوزير هو العنصر المركزي في هذا النص.
2. الرمزية والتجسيد:
“الروح الأزلية” و”العرش الأبدي” هنا يتم تجسيدهما ككيانات حية تتحكم في مجريات الأمور، مع إعطاء هذه المفاهيم صفة الوجود المستمر.
3. التوازي والتوازن:
النص يتبع أسلوبًا من التوازي البلاغي، حيث تتوازى الجمل بشكل يتكرر فيه المعنى مع اختلاف التراكيب.
النتائج والخاتمة”
النتائج:
1. تم إثبات أن الأساليب البلاغية في نصوص “كتاب الموتى” تمثل جزءًا أساسيًا من البنية اللغوية للنصوص الدينية.
2. تكرار الكلمات والجمل كان وسيلة قوية لتأكيد المكانة الدينية والروحية.
3. الرمزية الهيروغليفية قدمت أدوات فنية لتجسيد المفاهيم المجردة، مما ساعد في تعزيز التأثير النفسي والروحي للنصوص.
الخاتمة:
تكشف الدراسة عن دور الأساليب البلاغية في تقوية الرسائل الروحية والدينية التي يتم نقلها عبر النصوص الجنائزية، ويُظهر أن البلاغة المصرية القديمة كانت سابقة لعصرها في استخدامها للغة كأداة مؤثرة في الحياة والموت.







